عام

عهد جديد في المملكة السعودية

لم يكن أحد منا يتوقع أن المملكة العربية السعودية ستعرف إصلاحات قوية وسريعة خلال العامين الأخيرين والتي أصبحت أمرا واقعا في عهد الملك سلمان وولي عهده محمد بن سلمان الذي نقل المملكة إلى عهد جديد ، بشهادة دول أوروبية و أمريكية ، خاصة منذ تعيين محمد بن سلمان وليا للعهد . وهو رجل طموح ، شرع في القيام بتغييرات اجتماعية واقتصادية مهمة.
ففي غضون بضع شهور شهدت المملكة العربية السعودية تحولا كبيرا، بصدور حزمة من القرارات الجريئة، والمشروعات الضخمة، ترسم مستقبل جديد للمملكة السعودية المنفتحة على العالم مع احترام خصوصيتها المجتمعية و مكانتها العربية والإسلامية. كما أن المملكة السعودية مقبلة على الكثير من التغييرات المهمة في عهد ولي العهد محمد بن سلمان ، نذكر من بينها أساسا :
أولا : رؤية السعودية 2030 : والتي وتهدف المملكة من خلال هذه الرؤية الاستراتيجية إلى تنويع الاقتصاد، وتطوير هيكل الإنتاج، وخلق قطاعات جديدة مولدة للدخل؛ دون الاعتماد فقط على الموارد النفطية في عالم يشهد تحولًا كبيرًا نحو عصر ما بعد النفط.
و تقوم هذه الرؤية على ثلاثة محاور ومرتكزات : مجتمع حيوى و اقتصاد مزدهر ووطن طموح.
ويمثّل المحور الأول بناء مجتمع حيوى، يعيش أفراده وفق المبادئ الإسلامية ومنهج الوسطية والاعتدال، ومعتزين بهويتهم الوطنية، وفى المحور الثانى الاقتصاد المزدهر، و توفير وتنمية الفرص للجميع ، عبر بناء منظومة تعليمية مرتبطة باحتياجات سوق العمل . أما المحور الثالث فيركز على القطاع العام، حيث يرسم ملامح الحكومة الفاعلة من خلال تعزيز الكفاءة والشفافية والمساءلة، وتشجيع ثقافة الأداء لتمكين الموارد والطاقات البشرية، وتهيئة البيئة اللازمة للمواطنين، وقطاع الأعمال.
ثانيا : حملة مكافحة الفساد والتي تأتي عقب سلسلة من الإصلاحات التي شملت فرض ضريبة القيمة المضافة للمرة الأولى؛ وهو ما سيؤدي إلى توسيع القاعدة الضريبية على نحو مفيد لتغطية تكاليف الخدمات العامة.
كما تجلت حملة مكافحة الفساد في تطهير مؤسسات الدولة من الفساد والمفسدين، وتوجت ذلك بالقرارات الملكية التاريخية فى 4 نوفمبر 2017، بتشكيل لجنة عليا برئاسة ولى العهد الأمير محمد بن سلمان للتحقيق فى قضايا الفساد العام، فضلاً عن الإيقافات التى طالت أمراء فى الأسرة المالكة، ووزراء حاليين وسابقين، ورجال أعمال مشهورين.
ثالثا : إنهاء انتشار الأفكار الأصولية والهمجية التي سممت الكثير من العقول، وتكلف الكثير من الأرواح ، و المساهمة في نشر الفكر المعتدل في أوساط الشباب وتحصينهم من الغلو والأفكار المتطرفة، وتصحيح صورة الإسلام ونشر تعاليم الدين الصحيح، وتعزيز الأمن الفكري ، نظرا لما تعيشه الأمة اليوم بسبب انحراف فكر بعض أبنائها من تكفير، وتفجير، وشدة اختلاف بدافع عقدي ، سببه الغلو في التدين و الجهل بمقاصد الشريعة السمحاء.
فما أحوج المجتمعات الإسلامية من تمكين عقلية الشباب المسلم ، على الخصوص ، من أدوات الفهم والنظر والمعرفة لرصد الانحرافات الفكرية، ومعالجتها على ضوء الشريعة بعيدا عن الغلو و التطرف ، وخلق تنشئة صحيحة مبنية على التحصين العقدي ، وحماية المعتقد الإسلامي من العبث الفكري، وسلامته من الانحراف والتضليل ، و اتباع المنهج الحق بالاستناد على قواعد الوسطية والاعتدال.
رابعا : دعم حقوق المرأة : مع وصول محمد بن سلمان إلى منصب ولي العهد ، شهدت السعودية قرارات غير مسبوقة في مجال حقوق المرأة، بدأت برفع القيود المفروضة عليها في قيادة السيارة ، واستمرت مع تصويت مجلس الشورى على قرار يتيح للمرأة إصدار فتاوى، والسماح للمرأة بحضور في مدرجات ملاعب كرة القدم، الأمر الذي شكّل حدثا في المملكة السعودية. وهذا ليس بالأمر الغريب اذا علمنا أن المرأة السعودية حققت إنجازات على جميع الأصعدة ، وبرهنت عن قدراتها وكفاءتها بجانب الرجل. و من المتوقع أن تتحقق إصلاحات أخرى أكثر أهمية و تأثيرا على وضعية المرأة بالسعودية .
وكل هذه الإصلاحات الأساسية التي أشرنا إليها ، و إصلاحات أخرى لم يسعنا الإشارة إليها ،تؤكد بشكل جلي على أن المملكة العربية السعودية تشهد تحولا تاريخيا ينقلها من عهد قديم إلى عهد جديد ، بفضل القرارات الشجاعة و الجريئة التي اتخذها ولى العهد محمد بن سلمان في مجتمع محافظ لا يقبل التغيير بسهولة وسلاسة .

الدكتور / خالد الشرقاوي السموني
مدير مركز الرباط للدراسات السياسية والاستراتيجية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى