لا مخاوف.. لا جمود
أتت الرؤية السعودية 2030 لمجتمعنا بمثابة الإنقاذ لسفينة التنمية التي قطعت شوطًا لا يجب إنكاره، إلا أن أمواج التغير ازداد ارتفاعها ورياحها في العالم وفي المملكة ازدادت سرعتها، والحاجات التي تجعل منها سفينة سليمة دوماً تمخر عباب الحضارة، تتزايد أيضاً، فجاء التغيير من أعلى الهرم، ليتم تطبيقه والتكيف معه من قبل الجميع.
نعرف تماما، أن التغير في المخرجات يعني تغيير المدخلات، إذ كان أساس فلسفة التغير في المملكة، هو تغيير طريقة التفكير لتتقبل طرق العمل السياسي والاقتصادي الجديدة، وآثارهما الاجتماعية، وبقدر ما تنمو المعرفة بالمشكلات، تزداد فرص الحل.
ولقد جاءت الحلول حاسمة فيما يحتاج للفورية، وحالمة فيما يحتاج إلى الانتقال السلس من ثقافة البترول وتوابعها على كل الصُعد، إلى ثقافة أن الإنسان السعودي هو الثروة؛ لأن الهدف هو أن ينتج الثروة بكل ما تتطلب من محددات قيمية في أدائه، وتنافسية في منتجاته.
إن عملية تشكيل أسلوب حياة جديد وتطويعه وصهره في ثقافة المجتمع ليصبح متفقًا عليه، تتم ببطء وتمهل؛ لذا جاء التدرج الحكومي، ومعه نحتاج للتدرج الشخصي، فالمواطن بعد سنوات وسنوات سينجح في إتمام التغيير المطلوب في حياته لأنه سيستوعب المتغيرات حوله ويتكيف معها للأفضل في حياته.
لقد شهدت العقود الثلاثة الماضية تكريساً لأساليب حياة وإنفاق وعيش لم تكن جميعها مربوطة بالشأن الاقتصادي، إذ كانت هناك تداخلات فكرية ألقت بظلالها على كل شيء، حتى على المرأة، ماذا تدرس؟ وماذا تعمل إذا كانت أو كان أهلها من النوع الذي يخشى التصنيفات الواهية والوهمية التي هيمنت وأجلت إسهامها في التغيير؟
أيضاً لا بد من التوقف عند مقولة أن العالم الذكوري، أو ذكورية المجتمع تم اجتياحه من قبل المرأة، حتى تندر البعض، خشية أن ننقلب من الذكورة إلى الأنوثة في السمة الغالبة على المجتمع. فهذه الأفكار، أو المقولات من أواخر دفاعات مرحلة تهاوت أفكارها ولا تخفى أهدافها على القارئ.
تغيّرنا هو دخولنا مرحلة نهاية المخاوف ونهاية الجمود عبر أكثر من باب؛ ولأن الباب الاقتصادي هو دوماً الأوسع في تاريخ تغير وتطور أي شعب، كان هو الذي انفتح على مصراعيه، وسمح للنور أن يدخل.
لا ينكر المتأمل في ثلاثة عقود من الزمن سبقت إعلان الرؤية السعودية وخطط التحول، أن المرأة تنازلت عن أشياء كثيرة كانت شغوفة بها خوفاً من سياط المجتمع، التي كانت «تفرقع» بأصوات مخيفة في محيطها، وقد كان يمسك هذه السياط من خلف الكواليس، من كان يريد تهميش المرأة وعزلها وكفّ يديها عن مسيرة النماء إلا في أضيق الحدود.
اليوم، يمكنكن العودة إلى شغف تم هجره، أو الجهر بشغف تمّ ستره، والحديث هنا عن كل شيء مباح تم حرمان المرأة منه، فقط لكونها امرأة.
لن أحدد شغفاً فنياً أو ثقافياً أو إبداعياً بعينه، لكن الفكرة أن كثيراً من الفرص، وكثيراً من السنوات ضاعت في انتظار مثل هذه الانفراجات.
الشغف قد يكون تخصصاً في مجال غريب، وقد يكون موهبة، وقد يكون سلوكاً مهنياً أو شخصياً، وقد يكون أي شيء، فلا تبالين بأحد، ولا تخشين إلا الخالق الرازق الكريم الذي جعل في ديننا الإباحة أصلاً لكل شيء، ومرت سنوات العمر هباء على بعضهن، لأن هناك من جعل أصل كل شيء التحريم إذا كانت المرأة في الصورة.
لقد فُرض على كثير من النساء نمط حياة قيوده كثيرة، أفقدهن شغفهن شيئاً فشيئاً، وربما تحولن إلى آلات فيما يتعلق ببعض أعمالهن ووظائفهن العملية والمهنية.
اليوم، ليس على المرأة السعودية سوى أن تضع هدفاً واضحاً لا يخرج عن إطار حددته الشريعة السمحة، ثم تطوق أبواب جديدة، وأن تثق بنفسها، وبحكومتها التي أعطتها مساحات أرحب للركض، للتحليق إلى كل الآفاق التي حلمت بها يوماً؛ لأننا الآن في هذا الوقت المفصلي من تاريخ تنمية الإنسان والبلاد، نفتح كل الفضاءات لكل شيء مفيد، أو جميل، أو يتميز بهما معاً.
أنا أتغير، يتغير المجتمع من حولي، أنا أتحول إيجابياً، سيتحول المجتمع، وتنجح «الرؤية» بامتياز.