السعودية و المشروع الإصلاحي
لم يكن أحد منا يتوقع أن المملكة العربية السعودية ستعرف إصلاحات قوية وسريعة خلال الثلاث سنوات الأخيرة ، والتي أصبحت أمرا واقعا في ظل القيادة الجديدة . فهناك قفزة نوعية عاشتها السعودية خلال هذه الفترة .
فالساعة لدى السعوديين لا تتوقف، و العمل متواصل على صعيد كل الأمانات بالمملكة ، في إطار مشروع الإصلاح الكبير . هذا المشروع نقل المملكة إلى عهد جديد ، بشهادة دول أوروبية و أمريكية و عربية.
لقد شهدت المملكة العربية السعودية تحولا كبيرا، بصدور حزمة من القرارات الجريئة، والمشروعات الضخمة، و السياسات الرشيدة ، رسمت مستقبلا جديدا للمملكة المنفتحة على الحضارات و الثقافات و المحافظة على هويتها و خصوصيتها الثقافية و مكانتها العربية والإسلامية.
و جدير بالإشارة إلى أن المملكة السعودية مقبلة على الكثير من الإصلاحات و التغييرات الاستراتيجية المهمة ، نذكر من بينها أساسا :
أولا : رؤية السعودية 2030 : والتي وتهدف المملكة من خلال هذه الرؤية الاستراتيجية إلى تنويع الاقتصاد، وتطوير هيكل الإنتاج، وخلق قطاعات جديدة مولدة للدخل؛ دون الاعتماد فقط على الموارد النفطية في عالم يشهد تحولًا كبيرًا نحو عصر ما بعد النفط.
و تقوم هذه الرؤية على ثلاثة محاور ومرتكزات : مجتمع حيوى و اقتصاد مزدهر ووطن طموح.
ويمثّل المحور الأول بناء مجتمع حيوى، يعيش أفراده وفق المبادئ الإسلامية ومنهج الوسطية والاعتدال، ومعتزين بهويتهم الوطنية، وفى المحور الثانى الاقتصاد المزدهر، و توفير وتنمية الفرص للجميع ، عبر بناء منظومة تعليمية مرتبطة باحتياجات سوق العمل . أما المحور الثالث فيركز على القطاع العام، حيث يرسم ملامح الحكومة الفاعلة من خلال تعزيز الكفاءة والشفافية والمساءلة، وتشجيع ثقافة الأداء لتمكين الموارد والطاقات البشرية، وتهيئة البيئة اللازمة للمواطنين، وقطاع الأعمال.
ثانيا : حملة مكافحة الفساد والتي تأتي عقب سلسلة من الإصلاحات التي شملت فرض ضريبة القيمة المضافة للمرة الأولى؛ وهو ما سيؤدي إلى توسيع القاعدة الضريبية على نحو مفيد لتغطية تكاليف الخدمات العامة.
كما تجلت حملة مكافحة الفساد في تطهير مؤسسات الدولة من الفساد والمفسدين، وتوجت ذلك بالقرارات الملكية التاريخية فى 4 نوفمبر 2017، بتشكيل لجنة عليا برئاسة ولى العهد الأمير محمد بن سلمان للتحقيق فى قضايا الفساد العام، فضلاً عن الإيقافات التى طالت عددا من كبار المسؤولين ورجال أعمال مشهورين عالميا.
ثالثا : إنهاء انتشار الأفكار الأصولية والهمجية التي سممت الكثير من العقول، وتكلف الكثير من الأرواح ، و المساهمة في نشر الفكر المعتدل في أوساط الشباب وتحصينهم من الغلو والأفكار المتطرفة و التعصب الديني ، وتصحيح صورة الإسلام ونشر تعاليم الدين الصحيح، وتعزيز الأمن الفكري ، نظرا لما تعيشه الأمة اليوم بسبب انحراف فكر بعض أبنائها من تكفير، وتفجير، وشدة اختلاف بدافع عقدي ، سببه الغلو في التدين و الجهل بمقاصد الشريعة السمحاء.
رابعا : دعم حقوق المرأة : شهدت السعودية قرارات غير مسبوقة في مجال حقوق المرأة، بدأت برفع القيود المفروضة عليها في قيادة السيارة ، واستمرت مع تصويت مجلس الشورى على قرار يتيح للمرأة إصدار فتاوى، والسماح للمرأة بحضور في مدرجات ملاعب كرة القدم، الأمر الذي شكّل حدثا في المملكة السعودية. وهذا ليس بالأمر الغريب اذا علمنا أن المرأة السعودية حققت إنجازات على جميع الأصعدة ، وبرهنت عن قدراتها وكفاءتها بجانب شريكها الرجل.
كل هذه الإصلاحات السياسية و الاقتصادية و الثقافية ، تؤكد جليا على أن المملكة العربية السعودية تشهد تحولا تاريخيا ينقلها من عهد قديم إلى عهد جديد ، بفضل القرارات الشجاعة و الجريئة التي ذكرناها .
فقد سمح ولي العهد محمد بن سلمان العهد بالانفتاحات المجتمعية ، كما حدثت تغيرات ملحوظة في المجتمع بسرعة كبيرة لدرجة أن البعض ، من داخل البلد و خارجه، من الوتيرة السريعة للإصلاح و ما قد تنطوي عليه من مخاطر سياسية حسب اعتقادهم . كما نشير أيضا ، أنه منذ الإعلان عن «رؤية 2030»، واجهت السعودية حملات تشويه كبرى، غير مسبوقة، واختلاق أزمات سياسية لإجهاض التطور الايجابي، لكن الإصلاح بقي ماضٍيا في طريقه بدون توقف و بعزيمة قوية ، رغم ما تعرفه اقتصاديات العالم من تراجع بسبب الأزمة الصحية الناتجة عن جائحة كوفيد19 .
إن نجاح المشروع الإصلاحي بالمملكة العربية السعودية سيكون نموذجاً حقيقياً لمشروعات الإصلاح التنموية في بمنطقة الخليج ، خاصة و أن الإصلاح بهذه المنطقة ليس بالسهل ، نظرا لطبيعة المجتمعات المحافظة و التيارات المقاومة للتغيير .
الدكتور / خالد الشرقاوي السموني
مدير مركز الرباط للدراسات السياسية والاستراتيجية
creps2014@gmail.com