الاضطرابات النمائية الشاملة

بقلم ــ مرزوق بن علي الزهراني

كشفت الأبحاث العلمية التي تم إجراؤها خلال العقود الماضية، أن اضطراب التوحد، وأعراض ما بعد الولادة ذات العلاقة بالاضطراب، أضحت أكثر انتشارًا حاليا من أي أعراض أخرى قد تكون منتشرة بين الأطفال، مثل أمراض الدم و السرطان وكذلك اعتلالات السكري بالإضافة إلى متلازمة داون.
و قد بينت الإحصائيات الحديث ذات الصلة بالموضوع إلى أن اضطراب طيف التوحد يؤثر على ما يقرب من 1 من كل 1000 طفل، مما يجعله أكثر شيوعًا مقارنة مع الإحصائيات السابقة التي حصرت انتشاره في 1 من كل 2000 طفل.

ويمكن اعتبار اضطرابات النمو الشاملة مجموعة متنوعة من الحالات التي تؤثر على كيفية تطور الدماغ وتعمل. وتشمل هذه الاضطرابات اضطراب طيف التوحد، واضطراب النمو الشامل غير المحدد، واضطراب أسبرجر، واضطراب اكتئاب الطفولة، واضطراب ريت. تختلف الأعراض السلوكية لاضطرابات النمو الشاملة بشكل كبير بين الأفراد المصابين بالتوحد. وتعتمد هذه الاختلافات على الأعراض المحددة، وشدتها، ووقت ظهورها، ومسار نمو الطفل، والظروف المصاحبة. على سبيل المثال، قد يعاني بعض الأطفال الذين لديهم اضطراب التوحد من صعوبات كبيرة في التواصل و الاندماج الاجتماعي، بينما قد يعاني آخرون من صعوبات أقل في هذه المجالات ولكنهم في المقابل يتبنون سلوكيات نمطية أو اهتمامات محدودة.

ويتميز اضطراب التوحد بالأعراض الأكثر توافقًا وفقًا للوصف الذي أطلقه كانر سنة ١٩٤٣م للمتلازمة، حيث يرى أنها عبارة عن ضعف نوعي في التفاعل والتواصل الاجتماعي، كما أنها تتميز بأنماط سلوكية مقيدة ومتكررة. وعلى الرغم من عدم التجانس الموثق جيدًا في التعبير الظاهر، إلا أن السمات الأساسية المعترف بشيوعها ومركزيتها هي العجز في التفاعل الاجتماعي، والتواصل اللفظي، والتواصل غير اللفظي، والتكرار الصوتي، وكذلك اللزمات الحركية النمطية..
تجدر الإشارة إلى أن التطور والتشابه بين عدد من معايير الممارسة التي تم إنتاجها في السنوات الأخيرة، يعد نقطة هامة في البحث العلمي، خاصة فيما تعلق بأهمية التشخيص والتدخل المبكرين للأفراد الذين لديهم اضطرابات نمائية، وكذلك الأمر بالنسبة لأسرهم. وعند ملاحظة اختلافات بین التوصيات التوجيهية، فإن الاختلافات عادة ما تكون طفيفة نسبیًا، وترجع جزئیًا إلى التنوع في نطاقات المبادئ التوجيهية المعنیة. ويبدو أن النشاط البحثي الأكثر بروزًا خلال السنوات الأخيرة، يكمن في ظهور تدابير الفحص الجديدة الخاصة بالتوحد، مثل: M-CHATوPDDST-II، المتاحة للاستخدام أثناء الملاحظات النمائية الروتينية. ومن المعلوم أن هذه الأدوات صممت بطريقة علمية نهدف إلى تطوير عمليات تشخيص وتحديد الأطفال المعرضين لخطر الإصابة باضطرابات التوحد، سواء على مستوى المجتمع بشكل عام أو على مستوى مجموعات محددة مسبقًا تضم عددًا من الأطفال الذين تم تشخيصهم مسبقًا على أنهم معرضون لخطر الإصابة بإعاقات نمائية بشكل خاص.
ولقد أدى الحراك البحثي الذي حصل مؤخرا إلى ارتفاع جودة المعايير والضوابط المستخدمة في إجراء عمليات التقييم والتشخيص الاستباقية المبكرة. كما تم وصف الفحص النمائي على أنه: عملية اختبار مجموعات كاملة من الأطفال في أعمار مختلفة للكشف عن الأطفال المعرضین لخطر حدوث انحرافات كبیرة غیر متوقعة في مراحل مسيرة حياتهم النمائية.
إن التركيز على التدخل المبكر للأطفال الذين لديهم إعاقات نمائية، بما في ذلك التوحد، والذي يتم دعمه من خلال الأبحاث يتمحور حول مفهوم الفترات الحرجة من النمو، على اعتبار أنها تنتشر بشكل أكبر بين الأطفال، وهي التي تشير إلى الاستجابة التكيفية والتصحيحية للجهاز العصبي المركزي للتغيرات في البيئة الخارجية. ومن المؤكد أنه كلما بدأت الممارسات والتدخلات القائمة على الأدلة في وقت مبكر، زادت فرص تحسن المسارات النمائية للأفراد ذوي الخصائص العصبية الحيوية التي تميل إلى الظهور سلوكيًا على أنها اضطراب في الشخصية النمائية الشاملة. وتأسيسا على ما سبق، فإنه يظهر لنا وبكل وضوح وجلاء أهمية التدابير والإجراءات التي تتخذ من أجل القيام بعمليات الكشف ومن ثم التدخل المبكر في هذا المجال، والتي ستسهم بدورها في القضاء على الكثير من الأضطرابات قبل استفحالها وانتشارها.

بقلم ــ مرزوق بن علي الزهراني
alzmarzouq@gmail.com