تضارب الثقافات
بقلم ــ مرزوق بن علي الزهراني
عندما وصلت إحدى البعثات العلمية إلى بلد إفريقي لإجراء مجموعة من الأبحاث العلمية التجريبية، وخلال زيارتها لإحدى القرى المتاخمة للعاصمة، تعرضت الحافلة التي كانت تقل أعضاء البعثة إلى حادث مروع أسفر عن وفاة جميع ركاب الحافلة وسائقها. وأتت الأوامر بدفن جميع الضحايا في تلك القرية شريطة أن تُسَوَّر المقبرة التي تضم جثامينهم لتصبح مزارًا دائمًا لعلماء الآثار. وخُصص يوما السبت والأحد لزيارتهم من قبل محبيهم وأهليهم.
وفي إحدى الزيارات حضر شخصان يكثران التردد على زيارة أقاربهما في تلك المقبرة، أحدهما هندي والآخر فرنسي، فحرص الرجل الهندي على حمل صحن من الأرز ووضعه على قبر قريبه احترامًا له، أما الرجل الفرنسي فحرص على وضع باقة من الورد على قبر قريبه هو الآخر، وتكرر معهما الحال في جميع الزيارات اللاحقة. وفي أحد الأيام سأل الرجل الفرنسي الشاب الهندي: متى سيستيقظ قريبك ليتناول طبق الأرز الذي تصر على إحضاره له؟! فأجاب الشاب الهندي قائلًا: سيستيقظ حتمًا عندما يشم قريبك رائحة عبير الورد الذي تصر على تقديمه له بشكل دوري!
وإذا نظرنا إلى هذه القصة، نجد أن الباقة التي كان يضعها الرجل الفرنسي أجمل وأرق من صحن الأرز الذي كان يضعه الشاب الهندي، ولكن متى نظرنا إلى ذلك نظرة علمية وتأملنا الأمر بموضوعية، فسنجد أن ما تمثله الباقة الفرنسية لا يختلف كثيرًا عما يمثله صحن الأرز الهندي، إذ إن الباقة الفرنسية ليست سوى صحن أرز هندي تقدمه ثقافة مختلفة!
وتأسيسًا على ما سبق، يتبين أننا لا نعيش وحدنا على وجه البسيطة، فهناك بلا شك أقوام آخرون يشاركوننا الحياة في كل جزء من أجزاء هذ العالم المترامي الأطراف، ولكنهم يختلفون عنا في كثير من الأمور والطقوس الحياتية التي يمارسونها؛ ربما يرى الآخرون فينا غرابة لاختلاف منظومتنا الفكرية عن منظومتهم، وقد نكون نحن أيضًا ننظر إليهم بدهشة بسبب سلوكياتهم وقيمهم التي قد تختلف عن تلك المتبَعة في مجتمعنا؛ هذا يعود إلى اختلاف العقائد والثقافات والتقاليد الاجتماعية التي تحدد سلوك كل إنسان ومجتمع.
نحن ندير حياتنا استنادًا إلى القيم التي استوعبناها منذ الطفولة التي هي جزء من تكويننا، مع العادات التي سُقيت لنا كسقاية الآباء والأجداد لأراضيهم، وأيضًا التقاليد التي تُنقَل إلينا من خلال تراثنا التاريخي حتى غدت من ثوابتنا ومنطلقاتنا في الحياة. ويظهر لنا بوضوح أن الإنسان ليس إلا مجموعة من القيم والعادات والمعتقدات الثابتة؛ لذلك غالبًا ما نخطئ عندما نحكم على سلوك الآخرين استنادًا إلى منظومتنا الفكرية الخاصة؛ فما يتفق معها يعد صحيحًا في رؤيتنا، وما يتعارض ويتنافر معها يعد خاطئًا.
ومهما يكن من أمر، فإن من السهل أن نفهم السلوك البشري أو نفهم سلوكيات الآخرين التي تختلف عنا، متى ما نجحنا في فهم الثقافات التي تنتمي إليها تلك العقليات التي تصدر عنها بعض السلوكيات الغريبة من وجهة نظرنا. لذلك فإن ما ندعو إليه هنا هو تقبل الاختلاف مع الآخرين وفقًا لمعايير الحب والسلم الإنساني. ويُمكنك تحقيق ذلك باتباع ما تحب وتؤمن به، وفي الوقت ذاته قبول السلوكيات التي تصدر عن الآخرين بغض النظر عن الاختلافات الثقافية التي تتبعها والمعتقدات التي تتبناها ما لم تتعارض مع ثوابتنا الدينية.