وقفات ودروس من حروب بخروش بن علاس ضد جحافل الأوباش و الأنجاس
للشعوب أبطال مغاوير ودهاة حرب مشاهير، يقودون أوطانهم لتخطي الصعاب ومواجهة الأخطار، وذلك بدك حصون العلوج والفجار بثبات دون إدبار. وفي شبه الجزيرة العربية، حيث تمتد الرمال مسافات طويلة، يقابلها أودية في بعض المناطق وباحات غنية، وجبال شاهقة ومرتفعات علية. ومثال على ذلك جبال السروات الشامخة الأبية، التي تلقي بظلالها على أرجاء الركن الجنوبي الغربي من شبه الجزيرة العربية، ليخرج الفرسان من بطونها بالشجاعة مشرقين، وبدماء البطولات الفريدة مزدهرين. وبين جبال الباحة وسهولها الخصبة الندية، ومع صهيل الخيول العربية وصليل السيوف الهندية، نشأ بطل حكايتنا في هذا المقال، الفارس المقدام الذي أذهل العالم بشجاعته وعنفوانه وقوته، وسطر اسمه بأحرف من ذهب في صفحات التاريخ الملتهب؛ إنه الفارس الأمير بخروش بن علاس القرشي الزهراني.
وُلِد الأمير بخروش بن علاس في قرية العدية بقريش الحسن ببني عمر، شمال سراة زهران، على بُعد أربعة أميال شمال محافظة الأطاولة، في أحضان قبيلة تمتاز بالقوة والعزيمة، وتعتز بالشهامة والفروسية والشجاعة والكرم منذ القدم؛ وذلك غرس في روحه حب المغامرة والجرأة. تعلم فنون الفروسية والقتال منذ صغره، مُظهرًا براعة مبكرة في امتطاء الخيل وإمضاء السيف، حتى أصبح محط أنظار الجميع بفضل مهاراته الفذة وشخصيته الكاريزمية. امتاز بالقوة البدنية والشجاعة الفطرية، وكان سديد الرأي، حكيم المشورة في قومه، لا يخشى في الحق لومة لائم.
ومن الممتع، بل والمذهل، تزامن وجود ذلك الفارس المغوار مع حقبة تأسيس الدولة السعودية الأولى والغزو العثماني لبلاد الحجاز، إذ برزت شجاعته في أبهى حللها وأزهى صورها. فقد شارك في عديد من المعارك والغزوات، فأظهر شجاعة نادرة تمخضت عنها بطولات خالدة.
وبعد أن انضمت قبيلتا غامد وزهران إلى حكم الإمام عبد العزيز بن محمد آل سعود، أصبح بخروش أميرًا على بلاد غامد وزهران في عام ١٢١٨هـ، ليشرع التاريخ في كتابة فصل جديد من بطولات ذلك الفارس المقدام في مواجهة فلول الغزو العثماني وحملات محمد علي باشا المتوالية والمتكررة على المنطقة.
كان الأمير بخروش بن علاس من أبرز المؤيدين والداعمين للدولة السعودية الأولى، لذلك أبلى بلاءً حسنًا في الدفاع عن مناطق الركن الجنوبي الغربي من شبه الجزيرة العربية الموالية للدولة السعودية. ومن المعلوم أن انضمامه، وانضمام كثير من القبائل الجنوبية إلى جانب آل سعود، قد تسبب في قلق كبير للدولة العثمانية، التي رأت في بلاد غامد وزهران خاصةً خطرًا حقيقيًا وحاجزًا طبيعيًا على الحدود الجنوبية لولاية الحجاز. وبقيادة بخروش لهذه المنطقة، أصبح الخطر على العثمانيين لا مفر منه.
في عام ١٢٢٦هـ انطلقت جيوش محمد علي باشا بقيادة ابنه طوسون نحو الجنوب الغربي من الجزيرة العربية. كان القائد عثمان المضايفي، أمير الطائف، ينتظرهم مستعدًا للمواجهة، بدعم من إمارة الدرعية، التي أرسلت جيشا بقيادة الأمير عبد الله بن الإمام سعود، وبمشاركة الأمير بخروش بن علاس والأمير طامي بن شعيب؛ حققت هذه الجيوش انتصارًا مهمًا على طوسون، إلا إنه عاد بقوة وأعاد تنظيم جيشه، ليُهزم من جديد على يد السعوديين. وعندما علم محمد علي باشا بخسارات ابنه المتتالية، بعث بأسطول بحري يضم أكثر من أربعين سفينة نحو القنفذة، التي كانت تحت سيطرة الأمير طامي بن شعيب المتحمي، بهدف دفع قوات الجنوب بعيدًا عن منطقة الحجاز.
تحرك طامي على رأس قواته نحو القنفذة، في حين كانت قوات بخروش تنتظره بالقرب من المظيلف، وبعد لقائهما، شنوا هجومًا مفاجئًا على القوات العثمانية. ومع أن جيش طامي وبخروش كان يفتقر إلى الأسلحة المتطورة وكانوا يستعملون بنادق بدائية وسيوفًا، إلا إن شجاعتهم وتصميمهم فاقا جميع ما تمتلكه قوات محمد علي باشا. انهارت القوات العثمانية وفروا نحو البحر، واستمر بخروش وطامي في التقدم حتى تحقق لهم النصر، بعد إبادة معظم جنود القوات الغازية. وفي وصف المشهد، قال المستشرق والمؤرخ جيرالد دو غوري: “سبحوا خلفهم والسيوف بين أسنانهم وحاربوا داخل الماء!”. لم تنتهي القصة بعد وللحديث بقية……
بقلم:
مرزوق بن علي الزهراني
alzmarzouq@gmail.com