الجودة التعليمية الشاملة
بقلم: مرزوق بن علي الزهراني “”أبو إبراهيم””
يُعتبرُ التعليم أحد المتطلبات الأساسية لكافة الشعوب الإنسانية، لذلك فقد اعتادت تلك الشعوب وبشكل مستمر على العمل نحو تطوير مؤسساتها التعليمية بما يفي باحتياجاتها الحالية ويتلاءم مع معطيات مستقبلها، على اعتبار أن مفهوم الجودة أحد السمات الأساسية للعصر الحاضر، وذلك لاتساع استخداماته، وازدياد الطلب عليه في كثير من جوانب الحياة المعاصرة. فالعالم اليوم أصبح يعتنق مبدأ الجودة الشاملة كمعيار وجودي ثابت، وذلك على مختلف الأصعدة وعلى كافة المستويات أيضاً.
وعلى رغم أن مصطلح الجودة لم يشع استعماله ويكثر تداوله ويذيع صيته ويتردد صدى مفهومه داخل أروقة كافة المؤسسات الرسمية وغير الرسمية إلا في عصرنا الحاضر، إلا أن ذلك المفهوم في حقيقة الأمر قديم قدم الكائن البشري الذي صال وجال وهاج وماج على مختلف صفحات التاريخ وتَعاقُبِ أجياله مستخدماً في ذلك كل أدوات البحث والتفتيش والتنقيب عن كل ما يتعلق بالعلم والمعرفة هنا وهناك بغية الإرتقاء بذاته وبمن حوله ممن يشاركونه في كيانه الإجتماعي والإقتصادي والتعليمي والصحي والسياسي.
وبما أن لكل عصر دولة ورجالاً، فإن متغيرات كل عصر من تلك العصور ومبادئه وطبيعة ونمط حياة أفراده قد أثرت بشكل كلي على مفهوم الجودة ومتطلباته ومبادئه ومعايير تطبيقه.
ومما تجدر الإشارة إليه عن مفهوم الجودة التعليمية الشاملة، أنه أيضاً مفهوم ذو جذور عميقة وممتدة في أعماق الحضارة الإسلامية منذ بداية إشراقة شمسها وانتشار أنوار معارفها وذلك عن طريق نشر محتويات مناجم مفكريها. ولذلك فإن الجودة لمن لم يطلع أو يسمع بهذا المصطلح من قبل عبارة عن انتقال من ثقافة الطبطبة والتلييس، التي عادة ما تقود إلى نتائج كاذبة وأرقام سلبية مروعة، إلى ثقافة الدقة والتميز والإتقان. ولذلك فإن العالِم بكتاب الله والمبحر في علوم الفقه والسنة النبوية المطهرة، على صاحبها أفضل الصلوات وأزكى التسليم، يعلم ويعي أن الجودة في العمل أحد بل أهم معيار من المعايير الأساسية التي يتم اللجوء إليها والإعتماد عليها بعد الله سبحانه وتعالى عند الشروع في ممارسة الأعمال واحتراف المهن في الإسلام. يقول عز من قائل: “صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ” [البقرة: 138]، وقد روي عن النبي عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم أنه قال: “إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه”.
ومهما يكن من أمر، فإن الجودة الشاملة في التعليم أمر غاية في الأهمية. كيف لا، والجودة تلامس كافة احتياجات المجتمعات ومتطلباتها. بل إنها تعتبر الوقود الحقيقي لصلاح الشعوب، ورقيها وتطور أحوال أفرادها، وارتفاع مستويات التفكير لدى مختلف أجيالها. لذلك فإن من الواجب الشرعي على الجميع بشكل عام وعلى العاملين في الحقل التعليمي بشكل خاص السعي وفق ما تسمح بها قدراتهم إلى إتقان ما يناط بهم من أعمالٍ، سواء كانت تلك الأعمال فردية أم مؤسساتية، وذلك وفقا لمعايير الجودة السماوية، واتباع لمعايير الجودة الأرضية، مهما كانت مستويات تلك الأعمال، أو أحجامها، وكذلك مجالاتها.