مقالات وكتاب

جودة حياة الأفراد ذوي الإعاقة: تحديات وآمال

تُعد جودة الحياة من المفاهيم المعقدة التي تتداخل فيها العديد من العوامل الاجتماعية والاقتصادية والنفسية. وقد ارتبط وجود هذا المفهوم بالحياة الكريمة، واستمر في التوسع والتطور، مكتسبًا حقوقًا واحتياجات أكبر. وقد تعاملت معه الحضارات القديمة، بدءًا من الفلسفة الشرقية وصولًا إلى اليونانية، حيث شكلت فكرة المدينة الفاضلة جزءًا من هذه الحضارات. وفي هذا السياق، ذكر أرسطو أن “كلا من العامة والنخبة يدركون الحياة الجيدة بطريقة واحدة، وهي أن يكونوا سعداء، ولكن مكونات السعادة تختلف من شخص لآخر.” إذ إن بعض الناس يرون السعادة في المال، بينما آخرون يجدونها في العلاقات أو الإنجازات. ويرى أرسطو أن الحياة الطيبة تعني حالة شعورية ونوعًا من النشاط، وهو ما يتصل بتعبير جودة الحياة.
بعد الحروب العالمية وما خلفته من دمار، أصبح تحسين نوعية الحياة هدفًا رئيسيًا في خطط التنمية للدول الأوروبية، حيث تم استخدام مؤشرات تعبر عن كفاية المسكن، العمل، الصحة، والبيئة. وقد جعل هذا الموضوع عاملًا محوريًا في العديد من الدراسات والبحوث، نظرًا لتعدد تعريفاته واختلافها. وقد ركزت الدراسات على تعريف مفهوم جودة الحياة في بعدين أساسيين: البعد الذاتي والبعد الموضوعي
ومع تزايد الاهتمام بقضايا ذوي الإعاقة، أصبح من الضروري تسليط الضوء على جودة حياتهم، التي تتطلب تضافر الجهود لتوفير بيئة ملائمة تضمن لهم حياة كريمة. حيث يواجه الأفراد ذوو الإعاقة تحديات متعددة تؤثر بشكل كبير على نوعية حياتهم. من أبرز هذه التحديات نقص الوصول إلى الخدمات الأساسية، مثل التعليم والرعاية الصحية، فضلاً عن قلة فرص العمل. هذه المعوقات لا تقتصر على الجانب المادي فحسب، بل تمتد إلى الجوانب النفسية والاجتماعية، حيث يعاني الكثيرون من التهميش والتمييز.
وتعتبر البيئة المحيطة أحد العوامل الأساسية التي تؤثر في جودة حياة الأفراد ذوي الإعاقة في الوطن العربي. لذلك فإن تهيئة الأماكن العامة والمرافق لتكون صديقة لذوي الإعاقة يمكن أن يسهم بشكل كبير في تحسين تجربتهم اليومية. وفي هذا السياق، يجب أن تكون السياسات العامة أكثر شمولاً، مع التركيز على دمج ذوي الإعاقة في مختلف جوانب الحياة. علاوة على ذلك، فإن دعم الأسر ومجتمعاتهم يعد جزءًا لا يتجزأ من تعزيز جودة حياتهم. فتوفر برامج التدريب والتوعية يمكن أن يساعد الأسر على فهم احتياجات أبنائهم بشكل أفضل، مما ينعكس إيجاباً على صحتهم النفسية والاجتماعية.
ولا مندوحة من القول إننا شهدنا في ارجاء الوطن العربي الكريم جهوداً متزايدة من قبل المؤسسات والمنظمات الحكومية والأهلية لتحسين جودة حياة ذوي الإعاقة، حيث شملت تلك الجهود توفير الكثير من الفرص التعليمية المناسبة، وتطوير برامج توظيف ملائمة، بالإضافة إلى تحسين الوصول إلى الخدمات الصحية والمجتمعية الأخرى المناسبة. ومع ذلك، لا يزال هناك طريق طويل يجب قطعه لتحقيق حياة كريمة ومستدامة للجميع.
وفي هذا السياق، نُثمن عالياً الجهود الحثيثة التي تبذلها المملكة العربية السعودية في مجال رعاية ذوي الإعاقة. فقد أظهرت الحكومة السعودية التزامًا قويًا بتوفير بيئة شاملة وداعمة، من خلال تنفيذ برامج ومبادرات تهدف إلى إدماج ذوي الإعاقة في المجتمع. وتشمل تلك الجهود تحسين الوصول إلى التعليم، وتوفير فرص العمل، وتعزيز الوعي المجتمعي حول حقوق واحتياجات هذه الفئة. إن هذه المبادرات تعكس رؤية المملكة في تعزيز حقوق الإنسان وخلق مجتمع متنوع يحتفي بالاختلافات ويعزز من فرص النجاح للجميع.
وتأسيسا على ما سبق، فإن جودة حياة الأفراد ذوي الإعاقة ليست مجرد هدف، بل هي حق من حقوق الإنسان. لذلك يتطلب الأمر تضافر الجهود من جميع الأطراف، من الحكومات إلى المجتمع المدني، لضمان أن يتمتع هؤلاء الأفراد بحياة مليئة بالفرص والتحديات الإيجابية، مما يعزز من قدرتهم على الإسهام في مجتمعاتهم بشكل فعّال.
بقلم: مرزوق بن علي الزهراني

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى