مقالات وكتاب

عندما يكون العطاء فخًا

الإعلامي والصحفي / محمد آل ضعين
عضو هيئة الصحفيين السعوديين

 

ليس كل من يبتسم لك صادقًا، وليس كل من يمدّ يده إليك يريد إنقاذك. فبعض الأيادي التي تبدو كطوق نجاة قد تكون في الحقيقة فخاخًا تدفعك إلى دوامة من الإحباط والكآبة. هناك من يتظاهر بالتعاطف ليكسب ثقتك، لكنه في أعماقه لا يسعى إلا لاستغلالك والتلاعب بمشاعرك. والأسوأ من ذلك أن التعلق بهذه الأيادي قد يبعدك عن التوكل على الله، فتجعل البشر ملجأك، وتنسى أن النجاة الحقيقية لا تأتي إلا من الله وحده.

في لحظات الضعف، يظهر البعض ليملأوا حياتك بكلماتهم الدافئة ووعودهم المعسولة، لكنهم لا يلبثون أن يجعلوا من مساعدتهم لك سلاحًا ضدك، فيذكّرونك بفضلهم عليك كلما سنحت لهم الفرصة. هؤلاء لا يمنحونك الدعم حبًا، بل ليستغلوا حاجتك إليهم متى شاءوا، فيتحولون من سندٍ مزعوم إلى عبء نفسي يجعلك تشعر أنك مدين لهم طوال الوقت.

الخطأ الأكبر أن تبحث عن الأمان في البشر، فتضع ثقتك المطلقة فيهم معتقدًا أنهم لن يتغيروا. لكن البشر بطبيعتهم متقلّبون؛ قد يكونون معك اليوم ويختفون غدًا، وقد يعدونك بالبقاء ثم يرحلون بلا مبرر. أما الله سبحانه، فهو الثابت الذي لا يتغير، والملجأ الذي لا يخذلك مهما اشتدت بك الظروف. فإذا جعلت اعتمادك على الناس بدلًا من الله، فإنك بلا شك ستواجه خيبات متكررة، لأنك علّقت قلبك بمن لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًا.

العطاء الحقيقي لا يُذكَّر به، ولا يُستخدم كوسيلة للسيطرة عليك. ومن يحبك بصدق لن يجعلك تشعر بأنك مدين له طوال الوقت، ولن يسلب منك استقلاليتك ليبقيك تحت جناحه إلى الأبد. الدعم الصادق يقوّيك لا يُضعفك، والمحب الحقيقي يدفعك للنهوض لا لإبقائك معتمدًا عليه. أما من يختفي عند الحاجة ويظهر عند الرخاء، فذلك دليل واضح على أنه لم يكن بجانبك إلا لتحقيق مصلحة شخصية.

النجاة الحقيقية ليست في التعلق بالبشر، بل في التعلق بالله وحده. فكل من حولك مجرد أسباب يضعها الله لك، وقد يكون البعض نعمة، والبعض الآخر ابتلاءً. لذا، كن حكيمًا في اختيار من تثق بهم، ولا تجعل حاجتك إلى الدعم تجعلك لقمة سهلة لمن يتقن التلاعب بالمشاعر. واعلم أن اليد التي تستحق أن تتمسك بها حقًا هي يد الله، التي لا تخذلك أبدًا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى