ألم التجاهل والتهميش الوظيفي
بقلم ــ مرزوق بن علي الزهراني
“ليست القسوة في حرمان المرء من حقه، ولكن القسوة في تجاهل الآخرين لمعاناته”
كم هو مؤلمٌ ومؤسفٌ أيضًا أن يخالجك شعورٌ بالتحجيم والتهميش من قبل ثُلّةٍ منحهم النظام سلطة الإدارة والتدوير، فجعلهم أصحاب الصلاحية والانتقاء والتغيير، وفقًا لما يرونه ويحددونه، حتى وإن كان ما يصدر عنهم بعيدًا عن معايير العدالة السماوية المطلقة ، عوضًا عن معايير الجودة الأرضية ومتطلبات التطوير. يقول أحد الأصدقاء: “ظلّت سمة التجاهل والتهميش في مجال عملي سارية الصلاحية والمفعول ضدي، على الرغم من تغير الرئيس وتبدل العميد، وكذلك الحال مع الوكيل، فضلًا عن مغادرة المدير وتغير مسمى وظيفته. كل ذلك، دون أدنى شك أو ريبة، دفعني إلى الشعور بهامشية حياتي العملية، بل والمؤسف أن ذلك الشعور تفشى ليشمل سائر مفاصل حياتي الاجتماعية، لدرجة شعوري بأنّي لستُ سوى سرابٍ لا يستحقّ البقاء في الوجود على وجه الإطلاق، جراء منعي، رغم مقدرتي على تقديم الكثير مما يتوجب عليّ القيام به من واجباتٍ ومتطلباتٍ تجاه نفسي، وكذلك أسرتي، وكافة شرائح وفئات مجتمعي الذي إليه أنتسب وبه أفخر وأفاخر.”
هناك الكثير من القياديين الذين لا يستطيعون أن يقودوا المنشآت التي تولّوا زمام القيادة فيها إلى بر الأمان. فهم غير قادرين على تقدير ما قد يواجه موظفيهم من ظروفٍ اجتماعيةٍ أو نفسية، لذلك؛ يعجزون عن اتخاذ الخطوات اللازمة للتعامل مع العراقيل كما ينبغي. ومن المعلوم أن الإدارة أو المنشأة تحتاج إلى قائدٍ كفءٍ، لديه ما يكفي من الخبرات الميدانية والقدرات العلمية لإدارة أعمال المؤسسة وتنفيذ خططها ومهامها المنوطة بها كما ينبغي. والأهم من كل ذلك، وهو العامل الذي يحدد مدى جودة بيئة العمل، هو الكيفية التي يدير بها الرئيس جميع العاملين الذين يقبعون تحت رئاسته من الزملاء المختصين، وكذلك الموظفين الإداريين الذين يعملون داخل تلك المنشأة التي يتولى قيادتها وفقًا للفروقات الفردية بينهم، من خلال معرفة ظروفهم وأوضاعهم الوظيفية والاجتماعية والنفسية، في إطارٍ مهنيٍ وإنسانيٍ يهدف إلى الاستثمار الأمثل لخبراتهم وقدراتهم، بما يعود بالنفع على المنشأة وجودة الأداء لأعمالها. بعيدًا عن عمليات التجاهل والتهميش التي قد يلجأ إليها بعض الرؤساء تجاه الكثير من الزملاء المختصين والموظفين.
وقد يلجأ الرؤساء إلى ممارسة التهميش نظرًا لنقص كفاءة الموظف( وفقا لزعمهم)، وقد يحدث التهميش من الرئيس نظرًا لارتفاع كفاءة الموظف وعلو همته. وبالنظر إلى صاحب الكفاءة المتدنية فإنه قد يهمش على اعتبار أنه لا يستطيع القيام بما يُسند إليه بكفاءة واقتدار لذلك يحرم من حقه بذريعة تدني قدراته وعدم ملاءمتها للكثير من المهام الوظيفية، بينما صاحب الكفاءة العالية قد يُهمّش مخافة صعوده الوظيفي ومن ثم منافسته في المستقبل على الذي يتربع عليه سعادته، لذلك يبدأ في محاربته عن طريق ممارسة التعسف ضده وتجاهل كل آرائه واقتراحاته، وتجميد حقوقه وامتيازاته.
ومن أنواع التهميش الوظيفي، التهميش الاستراتيجي والذي يهدف إلى التخلص من الموظف بأقل تكلفةٍ وأسرع وقتٍ، ويتضح ذلك من خلال توظيف أشخاص محدودي القدرة وقليلي الخبرة والكفاءة، ويظهر هذا النوع من التهميش أيضاً من خلال تجاهل العمل الجيد الذي يقدمه الموظف المتميز ومحاولة التقليل من قيمة عمله برغم جودته.
إلى جانب ذلك هناك التهميش المؤسسي وهو الأكثر إيذاءً للفرد؛ لأنه يندرج تحت مفهوم الانتقام على تصرفٍ سابقٍ قد يكون غير مقصودٍ قام به الموظف في السابق. وقد يظهر الانتقام هنا عن طريق محاولة تصيد أخطاء الموظف التي قد تصدر منه دون قصد، ليتسنى لذلك الرئيس حجب المزايا عن موظفه، أو تحويله إلى مجال عمل مختلف، وقد يفرض عليه نوع من الرقابة، بل قد يصل الأمر إلى مصادرة حقوقه.
ولا مفرّ من الاعتراف بأن التهميش الوظيفي لا يعدو كونه ظاهرة تصور إساءة استخدام السلطة، والأمانة المهنية، عبر ممارسة الضغوط النفسية والإدارية على المرؤوسين الذين يسخّرون كافة قدراتهم وإمكاناتهم في سبيل إنجاز أعمالهم بكل كفاءةٍ واقتدار، مما يجعلهم يشعرون أنهم معاقبون على إخلاصهم للمنشأة التي ينتمون إليها.
وبناء على ما سبق فإن الحاجة تدعونا هنا إلى المطالبة بوضع مواد قانونية صارمة للحد من انتشار ظاهرة التهميش الوظيفي وعدم التساهل مع من يمارسه.
همسة مهمش:
اظـْلُمْ كَمَا شِئتَ لا أرْجُوكَ مَرْحَمَةٌ
إنـّا إلَى الله يَومَ الحَشْرِ نَحْتَكِمُ
لئن قبضت يداً عني فكم بسطت
يدٌ من الله ظلاً فيئه نعَمُ
تَنامُ عَينُكَ وَالمَظلومُ مُنتَبِهٌ
يَدعو عَلَيكَ وَعَينُ اللَهِ لَم تَنَمِ