مقالات وكتاب

حقيقة الموت

بقلم ــ مرزوق بن علي الزهراني

 

 

قال تعالى: (وجاءت سكرت الموت بالحق * ذلك ماكنت منه تحيد)[سورة ق: ١٩].

لما حكم القاضي على المجاهد الليبي، عمر المختار رحمه الله تعالى بالإعدام شنقاً حتى الموت، ضحك عمر بكل شجاعة قائلا: “الحكم حكم الله، لا حكمكم المزيف”. من هنا نفهم حقيقة الموت في ديننا الحنيف.

فالموت في الإسلام هو الانتقال من الحياة الدنيا إلى أولى مراحل الحياة الآخرة. لذلك، ينظر إلى الموت على أنه انفصال للروح عن الجسد. الجسد ليس له أي قيمة دون وجود الروح، حيث إنها متى فارقته أصبح جيفة مستقذرة تأكلها الهوام ويبليها التراب، حتى يعود تراباً كما هو الأصل فيه، ويستثنى من ذلك اجساد الأنبياء والشهداء فمن المعلوم إنها لا تبلى ولا يعتريها ما يعتري اجساد بقية البشر من التعفن والتحلل.
إن مفارقة النفس للجسد لا تقع إلا بعد كرب عظيم تذوقه النفس والجسد معاً، حيث إن النفس قد تعلقت بهذا الجسد وألفته وامتزجت به حتى صارا كالشيء الواحد لا يفترقان إلا بتعب شديد وكرب عظيم. ولن يذوق الفرد من الجنسين في حياته تعباً مثل تعب وكرب ذلك الافتراق، وفي ذلك يقول الله عز وجل: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [آل عمران: ١٨٥]. قال الربيع بن خثيم: أكثروا من ذكر الموت، فإنكم لم تذوقوا ألماً من قبل مثل ألمه.
إن تلك الروح المفارقة للجسد لا تدري أين مستقرها: في الجنة أم في النار؟ فإن كان صاحبها عاصياً وأصر على المعصية حتى وافته منيته، فربما غلب على ظنه أن روحه تصير إلى النار، فتتضاعف بذلك حسرته وألمه. وربما كشفت له مع ذلك عن مقعده من النار، فرآه أو أُخبر بذلك، فيجتمع له مع ألم الموت وكربته العظيمة معرفته بسوء مصيره.
قال بعض السلف: أمران قطعا علينا لذة الدنيا: ذكر الموت والوقوف بين يدي الله عز وجل. كيف تطيب الحياة لمن كان مدركا بأن المنايا فجأة ستداهمه، وكيف تطيب الحياة لمن كان مدركا بأن الله لا بد، سائله.
حينما حضرت معاذاً الوفاة، جعل يبكي بكاءً شديداً، فقيل له: أتبكي وأنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أتبكي وأنت من فعل كذا وكذا وكذا؟ فقال: والله لا أبكي جزعاً من الموت أن نزل بي، ولكني أبكي ليقيني بأني أمام قبضتين: إحداهما في النار والأخرى في الجنة، ولا أدري في أي القبضتين أكون.
لما كان الجميع يكره الموت لما فيه من الألم والمشقة، لم يمت نبي من الأنبياء ولا رسول من الرسل، حتى خيره ملك الموت، ولذلك يحصل التردد فيه في حق المؤمن، فقد ورد في حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي: “يقول الله عز وجل: وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي في قبض نفس المؤمن، يكره الموت وأكره مساءته ولا مفر له من ذلك ” (رواه البخاري ).
يقول ابن مليكة: حينما قُبضت نفس إبراهيم عليه السلام، سأله الله عز وجل فقال: كيف وجدت الموت يا إبراهيم؟ فقال إبراهيم: وجدته يا رب كأنما نفس تُنزع بالبلى. فقال الله عز وجل: هذا وقد هونا عليك الموت. وسئل موسى ذات السؤال، فأجاب: وجدت الموت يا رب كسفود تم إدخاله في صوف ثم سُحب، فقال عز من قائل: هذا وقد هونا عليك. كما روي أن المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام كان إذا ذُكر الموت أمامه بدأ جسده يتقاطر دماً.
يقول الحسن البصري: “ما رأيت يقينًا لا شك فيه، أشبه بشك لا يقين فيه إلا الموت”. فمن منا استعد لذلك اليوم كما يجب؟ ومن منا يطمع في البقاء وليس من الأنبياء والصالحين من استثناه الله من ذلك؟ وكيف نأمن هجوم المنايا ولم يسلم الأصفياء والأحباء منها؟ لذلك هيهات هيهات أن يترك الموت أحداً أو يسلم منه أحد.
❝كفى بالموت واعظاً، وكفى بالدهر مفرقاً. اليوم في الدور، وغداً في القبور ❞
أبو الدرداء

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى