مقالات وكتاب

ويبقى الأثر

بقلم: مرزوق بن علي الزهراني “أبو إبراهيم”

 

 

لكل شيء إذا ما تم نقصان** فلا يغر بطيب العيش إنسان.
هي الأمور كما شاهدتها دول** من سره زمن، ساءته أزمان.
هذا ما نعى به الشاعر الأندلسي “أبو البقاء الرندي” سقوط بلاد الأندلس في اليوم الثاني من شهر يناير لسنة ١٤٩٢ للميلاد. إذ إن الحياة تجمع بين المرارة والحنان، وبين الضحك والبكاء، بين السكون والحركة. هي منحنيات لا تُعد وطرق لا تَنْتَهي. نحن نسير فيها ولا يعلم أحد ماذا تخبئ لنا، فكلٌ منّا له طريقه الخاص في هذه الحياة. يمكن أن يكون الطريق سهلا ومريحا فيقودنا إلى بر الأمان، وقد يكون صعبًا وجافًا، فتأتي بنا رياح عابرة في طرف ليل مدلهم الظلمة فلا تترك لنا أثرًا، ولا تبقي لنا بصمة.
لقد عاش كثيرون وتجولوا في متاهات الحياة، ثم رحلوا بعد أن شدوا حقائبهم إلى الرحيل الأبدي. ومن بينهم أشخاص تلاشت ذكراهم وسارت سيرهم بعيدًا عن دائرة الذاكرة، تخلوا عن طموحاتهم فضاعت في متاهات الحياة. وفي المقابل، كان هناك آخرون رحلوا ولكن بقيت آثارهم بارزة ونقوشهم خالدة، وصفحات تاريخهم زاهية ذات ملامح برَّاقة؛ رحلوا ولكن رفضوا الرحيل قبل أن يتركوا بصمة مميزة وإرثًا لامعًا خلفهم في ثنايا هذه الحياة الفانية.
إن التأثير والاستمرارية في ذاكرة الآخرين له أهمية كبيرة للجميع، سواء كانوا صغارًا أو كبارًا، رجالًا أو نساء. إنهم يسعون جاهدين لجعل حياتهم بصمة تدوم وتاريخًا لا ينسى.. قد يكون التركيز على هذا الهدف واتخاذ الخطوات الضرورية صعبًا في البداية، ولكنه بالتأكيد ليس مستحيلاً ويمكن تحقيقه في النهاية. ولتحقيق النجاح في هذا المجال، يمكننا اعتماد بعض الأساليب والمفاهيم التي قد تساعدنا في ترك أثر إيجابي في هذا العالم الواسع وأن يكون لها تأثير مستديم على الآخرين، ومن تلك الأساليب:
– ينبغي على الفرد أن يصيغ لنفسه رؤية واضحة لحياته وأهدافه الشخصية، ثم يبحث عن الأشياء التي يجدها هامة وقيمة في مجال الحياة التي يعيشها، حتى تصبح هذه الأشياء مصدر تحفيز له وإلهام على اتخاذ القرارات الصحيحة والملائمة، ليمضي قدما نحو تحقيق أهدافه.
– كما أن عليه أن يسعي إلى تطوير مهاراته والعمل على الاستمرارية في تحقيق النجاح في مختلف مجالات حياته، من خلال التسلح بالإبداع والابتكار والسعي نحو التميز، والعمل على تطوير الذات واكتساب أداة قوية تؤثر في حياته وحياة من حوله، بل وقد تكون مصدر إلهام وتعزيزا لهم.
– وكذلك يجب على الفرد أن يحرص على تطوير قدراته في التواصل مع من حوله وبناء علاقات إيجابية معهم، من خلال بناء شبكات تواصل فعّالة والتعاون المثمر مع الآخرين، مما قد يؤثر على حياتهم ويساهم في تطويرها وتحسينها.
ومهما يكن من أمر، فإن الفرد عندما يعيش وفقًا للقيم التي يؤمن بها، والأسس التي يرتكز عليها والأهداف التي يسعى إلى تحقيقها، ويظهرإلى جانب ذلك الرغبة والطموح في ممارسة الأنشطة التي توصله إلى تحقيق ذلك كله، سيكون لديه بالغ الأثر فيمن حوله وكذلك على الآخرين، وسيصبح في يوم ما قائدًا مثاليًا يتبعه الآخرون، ويتعلموا منه فنون الاستماع بفعالية والتعبير عن الآراء والأفكار بمصداقية. وصدق الإمام” الشافعي “-رحمه الله-حين قال:
قد مات قوم وما ماتت فضائلهم * وعاش قوم وهم في الناس أموات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى