أن المعافى غير مخدوع
بقلم ــ مرزوق بن علي الزهراني
يقال بأن أكبر عملية خداع قام بها الشيطانّ؛ هي إقناعه للكثيرين بألا وجود له. لذلك، يتعرض الكثير من الناس في هذه الحياة، إلى العديد من مواقف الخداع في كثير من أمور الحياة المختلفة صغر شأنها أم كبر. والرابح من تتكشف له الأمور ويتضح له خداع من يدَّعي صحبته أو صداقته ويفلت من خداعه، قبل أن يتمكن ذلك المخادع من إكمال فصول خداعه، ويقع الفأس في الرأس فيلقي بضحيته في غيابات جب الضياع والتيه. وهناك مثل عربي شهير يتداوله العرب حينما يتعرض أحدهم لخديعة محبوكة، ولكنه يفلت منها بفضل الله ورحمته، حيث إنه يُخدع ولكنه لا ينخدع، فلا يضره ما كان قد خُدع به فلا تتم للمخادع بغيته في إتمام عملية الخداع، حيث يقول المثل: “إن المعافى غير مخدوع”. لذلك نريد أن نعرف ما هي قصة هذا المثل؟، ومتى يمكننا استخدامه وإسقاطه؟
يعود المثل إلى رجل من بني سليم يُدعى(القادح)، وكان يعيش تحت إمرة أمير يُكنى (بأبي مظعون) ، وكان للقادح هذا صديق من أفراد قبيلته أعني من بني سليم يُسمى (سليط) ، وقد اتصف القادح هذا بالإخلاص لصديقه سليط، حتى إنه كان لا يكاد يعصي له أمرًا ولا يرفض له طلبًا.
حدث ذات مرة أن سعى سليط هذا، إلى التوصل لزوجة صديقه القادح ولم يزل بها حتى نجح في مسعاه، وتحقق له مبتغاه بعد فترة ليست بالقصيرة، فواعدته ذات يوم، فما كان من ذلك الباغي سليط الا أن ذهب إلى القادح، وقال له: لقد واعدت الليلة جارية من جواري الأمير أبي مظعون، ولذلك أجد نفسي في أمسِّ الحاجة إلى جميل مساعدتك وصادق دعمك، فقال له القادح: أنا بإمرتك يا صديقي وحاضر ومنون، فانظر ماذا يتوجب علي القيام به، فقال له: أريدك أن تجالس أبا مظعون في النادي وتشاغله ليتسنى لي مقابلة جاريته، فإن هو أراد الخروج فاسبقه، حتى إذا وصلت موقع كذا فصَفِّر لي مرتين متتابعتين؛ ليتسنى لي مغادرة المكان قبل وصوله، ولك لقاء ذلك دينارٌ عن كل يوم، فوافقه القادح على هذا الأمر القبيح. وبدأ القادح في اطلاق صافرت الإنذار لصديقه سليط عند كل مرة يشعر معها بنية أبي مظعون مغادرة النادي، وكان لا يطلق تلك الصافرات سوى من المكان الذي تم الاتفاق بينهما عليه سابقا، فينسحب سليط حال سماعه تلك الصافرات من مكان اختلائه بالمرأة ويعود إلى قواعده سالما مُعافى دون أن يكتشف أمره أحد.
صادف ذات يوم أن فتحت سيرة النساء، وتم تداول أخبارهن ومحاسن أخلاقهن، فتحدث أبو مظعون عن عفاف جواريه وفضلهن ، فلم يستسغ القادح هذا الكلام، وبدأ يعرض بكلامه لأبي مظعون حين قال: ربما كذب الناطق، وخدع الوامق، وغر الواثق، وملّت العاتق، ثم زاد على ذلك أن سلقه ببيت شعر قال فيه:
لا تَنْطِــــــقَنَّ بأمـــــــرٍ لا تَيَــــــــقَّنُهُ إنَّ المُعافى سَيَبْقى غـــــير مخدوعِ
علم أبو مظعون أن القادح يعرض به، ولكنه انتظر حتى انصرف الجميع من النادي، فوثب مباشرة على صدر القادح، وأمسك برقبته ثم قال: اصدقني القول إن أردت النجاة بنفسك مني، فحدثه القادح بكل ما يعرف من أمر سليط وجاريته، فتيقن أبو مظعون أن سليطًا قد خدعه، وعلى الفور أخذ بيد القادح وطاف به على جواريه فوجدهن مقبلات على ما أوكلن إليه ولم يتغيب منهن واحدة، فما كان منهما إلا أن أكملا مسيرهما حتى دخلا دار القادح، ليجدا سليطا متربعًا على فراش زوجته، فقال له أبو مظعون متهكما “إن المعافى غير مخدوع” فأخذ القادح سيفه ووثب على سليط يريد قتله، ولكنه لم يتمكن منه حيث فلت من بين يديه وتولى مسرعًا ولم يستطع إدراكه، فانعطف إلى زوجته وضرب عنقها بالسيف فأرداها قتيله.
من هذا المنطلق، غدت مقولة “إنّ المعافى غير مخدوع” مضرب مثل لكل من يتعرض لأي نوع من أنواع الغش والخداع من قِبل الأشخاص الذين يمنحهم المرء ثقته ومحبته.