مقالات وكتاب

ذكرى رحيل والدتي

بقلم ــ مرزوق بن علي الزهراني”أبو إبراهيم”

 

منذ ستة أعوام، اكتست الدنيا ظلامًا وخوفًا، وتبدلت ألحان الحنان بنوح حمام على شجرةٍ جرداء في ليلة ماطرة عاصفة، ورفعت اليد عطاءها، وذلك عندما رحلت أمي. فتوقَّف القلب الذي لا يعرف إلا الحب، ورحلت معها أسباب البقاء، وانطفأ في عالمي كل أملٍ، فالجميلٍ كان جميلا بطيف وجودها، وبعد رحيلها تغيرت كل الأشياء فلم يعد أي شيء كما كان!!
رحلت أمي، فاختفت السعادة وتبددت أسبابها، وذهب الأمان إلى مكان لا نعرفه. وحطت الرحمة أدواتها، وانسحبت الابتسامة إلى مهدها، وسكت الصوت الذي كان يلهج بالدعوات. كنت أتمنى أن تعود أمي!، فتكسر الجمود بصوتها، وتعطر الوجود بحضورها، وتفي بالوعود برقتها وتقدم الحلول بحكمتها.
كانت أمي ذات وجهٍ دائم الإشراق، وقلب ناصع البياض، وبلسم يرطب العسير؛ كانت أنشودة فوق الخيال، ومحالة في مستويات المنال، كان الضجيج في حضرتها ترنيم، والبساطة بين يديها نعيم، وحضنها الملجأً من هذا العالم الأليم.
وحين رحلت، تركتني في ليلة عزاء طويلة، انشطر فيها قلبي. ولا عجب، فقد حلت المصيبة، وبدأت بمواجهة أيام وليالٍ عصيبة. صرتُ أخاف الليل بنجومه، والنهار بأشعته، حتى باتت مصابيح الليالي حزينة مظلمة، وأصبحت الحياة صامتة، بلا نكهة أو لون. كيف لا!! وقد تركتني أمي صحراء ممتدة قاحلة، تتخللها كثبان رملية عميقة متحركة. أصبحت آوي بجوار القبر الذي يحتضن جسدها، والتراب الذي نثر على سائر بدنها. لو كان بيدي لشاركتها العمر، ولرحلت معها عندما رحلت.
وها قد رحلت الحبيبة أمي، ورحل معها دفء الهمسات، رحلت وبقيت وحيداً، أعيش الحياة بوَجل، بلا طموح ولا أمل. فلم يعد هناك قلب يعطي الحب ولا صدر يحمي من الخوف. فلقد رحلت ابتسامة الزمان، وهبة الرحمن، وروى الظمآن.
قيل لي بأنها رحلت دون عودة، ولن يكون هناك بعد ذلك اليوم أثر لضحكتها أو النيل من توجيهاتها. ولولا الإيمان بربي، لظن قلبي بأن ذلك كله مجرد خدعة.
لا أتذكر أنَّ هناك شيئاً قد هزني كما هزني نبأ رحيلها، فكلُّ ألم وصدمة تلقيتها في مشوار حياتي كانت قابلةً للنسيان إلا رحيل أمي، جعلني أعاني جروح لا تُشفى ولا تبرأ، على الرغم من مرور الشهور والسنين.
رحمك الله يا غاليتي وجعلكِ ممن يدخلون الجنة بلا حساب ولا سابق عذاب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى