تنفس فكري
يمكن القول بصفة عامة إن تنفس الفكر عند البعض بدأ يتوسع، ويتشتت، ويتوه تحت تأثير الفلسفة المعلبة، والمستوردة بمختلف اتجاهاتها من بيئات ثقافية أخرى.
وفي ظل تأثره المادي والجدلي بالطرف الآخر من الجانب المعاكس أصبح هذا التوسع عميقا، وعلى نطاق فردي، أو جماعي صغير يصل أحيانا ليكون تيارا فكريا متشرذما من جهة اليسار يختلط ببعض الثقافات غير المحلية، مما يتعدى أحيانا إلى المساس بالثوابت الدينية الراسخة بادعاءات أحادية، والمغامرة بالجدل في أغوارها، ومناكفة القيم الاجتماعية المؤكدة. كل ذلك زاد تفاعله، وأثره السحري التقني الباهر الذي قدم وسائل ومنتجات جديدة، فككت المشهد المختنق.
لا أحد ينكر أن هناك دوما تطورا طبيعيا في حياة الأمم البشرية سواء رضوا أم أبوا فتلك سنة كونية لا يستطيع البشر منعها. فلا ثبات على حالة واحدة لأي أمة على وجه الأرض في أي زمان أو مكان. ولكل أمة فترتها، وناسها، وإنجازاتها، ومتعتها ثم ستنتهي بسبب سنة تداول الأيام الربانية.
فموت أمة سبب في حياة أخرى، واختفاء أقوام سبب في ظهور آخرين. ولا شك أن أي تطور سابق في أي مجتمع جاء نتيجة حدوث تغيرات جذرية، أو استشراء الوهن، وتعطل العقول، والانغماس الجامح في الملذات، والرغبات الشخصية، والدعة، والتكلف، والترف حتى الوصول إلى القمة الحضارية المزعومة التي تكون سببا في السقوط ثم تتبعها الفراغات الاجتماعية، والشح الفكري، والتضاؤل الثقافي، والندرة في القيم، وانعكاس المفاهيم. ثم يكون ناتجها ترقيقا ثم تداعيا فطمس الثوابت الدينية الربانية الراسخة من كثرة الجدل واللغط.
ومجتمعنا يتحول في بعضه فكرا وسلوكا نحو الخيارات التي تناسب الفرد ذاته وليس ما يجب أن يفعله، ويقوم به، أو يتأمله ويتيقن منه شرعا وقِيما، بسبب الركون إلى رفاهية الحياة، وحركية العيش، وطلبا لمزيد من اللامسؤولية. هنا سيقف الفرد بعد حين على واقع متسارع وممل لا جهات له، ولا نهاية. هو فقط تنفس وغرائز.