ثقافة «حيونة الوصوف»
العقول أحيانا تترنح في متاهة ضيق.. والألسن تتعثر وعثرتها أشد من عثرة الأقدام.. وحين تحتويها ثقافة لغوية بليدة.. فاقدة لكثير من الحس في القول.. تتأزم اللغة.. وتختنق الألفاظ.
كثير منا يهتم بمظهر الوجه.. مظهر الجسد.. مظهراللبس.. لكنه يعطّل حواسه عن الاهتمام بمظهر اللسان.. فيجد أن قبيح القول أمرُ بسيط و«عادي»..لا يتعدى كونه كلمات تسقط أمامه فيحملها الزمن ويقذفها في سلة النسيان.
في ثقافتنا اللغوية عند وصف الآخر وفعله.. تجد الغرابة والغربة وتندهش من كمية الألفاظ المنكرة في حديثنا، أو نعتنا لمن حولنا، أو وصف حدث ما يدور بيننا.
لم تترك أي ثقافة لغوية في أي مجتمع ومنه مجتمعنا «حيونة الوصف»، أي استخدام أسماء الحيوانات لوصف شخص ما في حال أو حدث أو سمات معينة.. وحتى في التراث العربي القديم لم تخلُ من تلك العادة.
وعن مجتمعنا بالذات تجد هذا الاستخدام متكررا وفيه شيء من الاتساع.. فحين يقفز أحدهم ويظهر نفسه بالدهاء وانجاز ما لا ينجز بأي طريقة حتى لو كانت غير مقبولة وصفوه بــ «الذئب».. وحين يجبن من شيء أو يتراجع حتى عن خطأ أو يكون مسالمًا وردة فعله متصالحة نعتوه بـ «الدجاجة».. وحين يبرز في فن أو مجال ويكون فنانا فيه يطلق عليه أنه يجيد ذلك، أو يسيء لأحدهم .. وعندما يكون قابلا للاستغفال أو اللعب عليه سيرمون عليه لقب «خروف»..وان استغبوه أو تحمل الكثير وصفوه بـ «حمار» أكرمكم الله.
وحينما لا يفهم قولا أو لا يجيد عملا كما يجب سينعت بـ «ثور».. وستنعت المرأة بـ «بقرة».. وحين ينجو من أمر أو حادث أو موت قد يوصف بــ «القطو» له سبعة أرواح.. وإن كان مفسدا لأمر سمّي بـ«النمس».. وان تلون بفعل قالوا «سعلو»..وإن كتم حقده سموه «بعير» ولكم ان تذكروا الكثير.
ويبقى القول: نحن كغيرنا من المجتمعات في تلك الثقافة حتى في اللغات الأخرى.. ولكن لدينا أنقى وأرقى دين يدلنا على تكريس الفعل الكريم والقول الجميل وتعزيز الأدب.. ولدينا أثرى لغة تغنينا بألفاظها عن حيونة النعوت.. لذا علينا أن نهذب ذواتنا وألسنتنا، ونربي أبناءنا على قول المعروف والوصف النقي.