المحلية

رئيس الشؤون الدينية التركي عرض تجربة بلاده في مجال التعليم الديني

قال معالي رئيس الشؤون الدينية في الجمهورية التركية الأستاذ الدكتور علي أرباش: إن الغاية الأسمى من الوحي والنبوة من لدن آدم إلى نبينا محمد ــ عليه الصلاة والسلام ــ هي الإنسان؛ لتزويده المعرفة الصحيحة بنفسه وربه ومحيطه وغاية خلقه، وآي القرآن الكريم التي بدأت قول الله ــ جل وعلا ــ: {اقرأ باسم ربك الذي خلق}، وآيات أخرى تدعو الإنسان إلى التفكر في خلقه ووجوده وحياته والكون من حوله. وآيات تبصره بغاية الحياة وحكمة الوجود.
وأضاف يقول: إن المرء حين يبني علاقته بنفسه والكون من حوله على ضوء الوحي يستطيع أن يحول الأزمات التي تتقلب فيها البشرية اليوم إلى واحة من السكينة والطمأنينة، وأجلى دليل على ذلك الحضارة الإسلامية التي ارتقت بالعلم ميراث الأنبياء لتشكل تراثا علميا عريقًا قائما على الوحي والحكمة.
جاء ذلك في مقدمة المحاضرة التي ألقاها الدكتور علي أرباش، يوم أمس في مقر وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد بالرياض والخاصة ببعض دعاة الوزارة؛ للاطلاع على التجربة التركية في مجال التعليم الديني.
وواصل قائلا: إن المجتمع الإسلامي حقق خلال مدة وجيزة نهضةً علميةً لم يسبق لها مثيل، فأضاء المسلمون آفاق الإنسانية في مجالات العلم كافة على مدى سبعة قرون بدءًا من القرن السابع الميلادي إلى عصر النهضة وغدًا رائدًا في العلم والاختراع والابتكار. مشددًا على أهمية فهم الحضارة الإسلامية وقيمها التي كانت أهم مرحلة مرت على تاريخ الإنسانية من حيث العلم والحكمة.
واستعرض معاليه جانبًا مما بذله المسلمون الأوائل من أجل العلم ، وقال: عدَّ المسلمون العلم محترما بذاته، وكوّنوا خلال فترة وجيزة مكتسبات كبيرة في جميع فروعه بدءًا من فنون الشريعة الإسلامية ومرورًا بعلوم الكون من الرياضيات والطب والفلسفة والفيزياء والكيمياء والفلك، وصنفوا ما لا يحصى من الكتب، وحققوا اختراعات واكتشافات جليلة، كما بنى المسلمون علاقتهم بالعلم وطوروها على أساس من مفهوم العبادة ووعي العبودية والشعور بالمسؤولية والأخلاق الحميدة.
واستطرد الدكتور علي أرباش يقول: إن المسلمين تناولوا العلم بمقاربة تأخذ بالحسبان مسائل العصر دون انتزاعها من الحياة وحقائقها الاجتماعية، واستخدموها لأمن الإنسانية ورفاهيتها ، لا من أجل القوة والنفوذ، كما أن المسلمين لم يفرقوا قط العلوم إلى إسلامية وغير إسلامية كما يحصل في يومنا هذا، ولم يتردد المسلمون يومًا في مواجهة تراكمات الإنسانية القديمة بوعي وثقة، ولم يتهربوا من المقارنة بين تراكمات حضارات الروم والفرس والهند وغيرها، واستطاعوا أن يتغلبوا على تحديات الثقافات الأخرى، بل استطاعوا أن يصهروها في بوتقة الوحي واستوعبوها.
وأضاف يقول: لقد أثرت التغيرات الجغرافية في العالم الإسلامي، والمشاكل السياسية والاجتماعية والثقافية التي واجهته بدءًا من القرن التاسع عشر على جميع المجالات، وكان أشدها وطأة في مجال التعليم وبخاصة التعليم الديني، حيث عمدت أكثر الدول والمجتمعات الإسلامية إلى بناء مؤسساتها ومناهجها الدراسية وأشكال تطبيقها على ضوء هذه التغيرات.
ورأى معالي رئيس الشؤون الدينية التركي أن القضية المهمة بالنسبة للعالم الإسلامي اليوم الذي يعيش أحلك فترات تاريخه منذ قرنين من الزمن، تتمحور حول الحاجة إلى التفكير الجاد والشامل والمحاسبة والنقد الذاتي في شكل وطريقة ونوعية التواصل والتفاعل مع عالم العلم والمعرفة بكل أبعاده.
بعد ذلك، تحدث الدكتور علي أرباش عن المؤسسات والهيئات العلمية والدعوية، والتعليم الديني ومناهجه في تركيا، مستعرضا تاريخها ورسالتها في خدمة العمل الإسلامي ، ثم قدم تلخيصا للأهداف الأساسية من المناهج الدراسية في كليات الإلهيات وفي مقدمتها: صياغة فكرة عن الحضارة الإسلامية ومكتسباتها لدى الطالب، وكذلك تكوين هذه الحضارة وكيف تكونت، وما هي رؤية الحضارة الإسلامية للإنسان وعمله في الكون، لافتا إلى أن رئاسة الشؤون الدينية تشرف على التعليم المنتشر في المساجد والمراكز.
وقدم شرحا مفصلا لأنواع ودرجات التعليم الديني في تركيا من معاهد الأئمة والخطباء، وكليات الإلهيات التي تزيد على مئة كلية، ومعاهد لتخريج المفتين، مبينًا أن عدد معاهد تحفيظ القرآن في عموم البلاد يتراوح بين 25 إلى 30 ألف معهد لتحفيظ القرآن، وفي بعض المعاهد يصل عدد الطلبة إلى عشرة آلاف طالب, وفي هذه المعاهد يدرَّس القرآن وعلومه، ومواد العقيدة والفقه والسيرة، مشيرًا إلى أن عدد المدرسين في هذه المعاهد يزيد على 40 ألف مدرس.
ثم تحدث بالتفصيل عن تجربة رئاسة الشؤون الدينية التركية خارج تركيا، وأن لديها عشرات المكاتب والملحقيات الدينية، وأن الموظفين فيها من الأئمة والمعلمين والمستشارين يصلون إلى ثلاثة آلاف شخص تقريبا.
وانتهى الدكتور علي أرباش قائلا: إنه في ظل الهجمة الممنهجة على الإسلام تحت مسمى “إسلامو فوبيا” وغيرها من الهجمات ندرك حقيقة أن هناك فهما خاطئا عن الإسلام, والتصور والفهم الخاطئ للدين نتج عنه أمراض كـ: الإرهاب، والتفرقة، والنزاع، وغيرها من الأمراض التي يجب تصحيحها من خلال التعليم وفهم الدين الصحيح, وكلنا بحاجه لمؤسسات وأفراد وعقول لفهم الإسلام تدرك متطلبات العصر, لذا من المهم أن يكون هناك تعاون حقيقي بين المؤسسات الدينية التي تؤمن بنفس هذه الفكرة حتى نستطيع الوصول لهذه الأهداف السامية من أجل مستقبل زاهر مشرق للأمة الإسلامية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى