مقالات وكتاب

التنمية وحقوق الإنسان

د. خالد الشرقاوي السموني

أستاذ القانون الدستوري والمؤسسات السياسية

تشكل التنمية حقا من حقوق الإنسان التي يجب أن يتمتع بها كل الناس، سواء فرادى أو جماعات. ويحق لكل إنسان المشاركة والإسهام في تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية والتمتع بهذه التنمية التي يمكن فيها إعمال جميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية إعمالا تاما، كما ورد في إعلان الحق في التنمية بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الصادر في ديسمبر 1986.

ومن بين العناصر الأساسيّة للحق في التنمية هي تنمية الإنسان، حيث يحدد إعلان الحق في التنمية (المادة 2) بأن “الإنسان هو الموضوع الرئيسي للتنمية، والمشارك النشط فيها والمستفيد منها” . و”يمكن فيها إعمال كافة حقوق الإنسان والحريات الأساسية إعمالا تاما ” (المادة 1).

كما ارتكزت خطة التنمية المستدامة للأمم المتحدة لعام 2030 ، و التي أصبحت نافذة منذ يناير 2016 ، على تحقيق أهداف شاملة لتعزيز الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بالدرجة الاولى والعمل على توفير فرص حاسمة لزيادة النهوض بإعمال حقوق الإنسان لجميع الناس في كل مكان.

وهكذا يظهر جليا الترابط بين التنمية وحقوق الإنسان ، كون الحق في التنمية يدمج بين الحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية . فالتنمية هي عملية اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية شاملة تستهدف التحسين المستمر لرفاهية الإنسان ، فضلا عن ذلك نجد أن أهداف التنمية المستدامة والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية هي ذاتها المواد الواردة في العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية.

يجسد الحق في التنمية مبادئ تنطوي عليها حقوق الإنسان مثل المساواة وعدم التمييز والمشاركة والشفافية والمساءلة، والتضامن، والحد من الفوارق الاجتماعية والفقر، وتمكين الشباب والمرأة وبناء قدراتهما، وتطوير البنيات التحتية، وإصلاح التعليم وتطوير منظومته، وتوفير الشغل، وغيرها من المبادئ.

وفي إطار الأهمية التي يوليها المغرب للبعد الإنساني ، فقد التزم خلال العقدين الأخيرين، بوضع سياسات و مشاريع و قوانين تروم تحقيق التنمية البشرية المستدامة من خلال سعيه إلى الحرص على احترام حقوق الإنسان ، كالمبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي أطلقها جلالة الملك محمد السادس سنة 2005 ، و خطة العمل الوطنية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان التي تتحدد أهم أهدافها الاستراتيجية في إدماج مبادئ ومعايير حقوق الإنسان في السياسات والخطط والبرامج التنموية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، واعتماد نموذج تنموي جديد ، وورش تعميم التغطية الاجتماعية…وغير ذلك .

و على الرغم من هذه المبادرات المهمة ، يواجه المغرب اليوم تحديات تتمثل في وجود بعض النواقص والثغرات. فبالإضافة إلى عدم الاستفادة بصفة متساوية من الحقوق حسب المناطق والفئات السكانية بسبب وجود تفاوت في التنمية بين المناطق الحضرية والقروية ، و شبه الغياب الفعلي للنهوض بحقوق الفئات الهشة والآليات المؤسساتية الكافية لتقييم أداء السياسات العمومية، وشبه غياب تحقيق الالتقائية بين حقوق الإنسان وأهداف التنمية المستدامة التي ينبغي أن تهم كل المناطق والجهات.

و على الأساس، نرى أن التنزيل الفعلي للتنمية كحق من حقوق الإنسان ، ينبغي أن يمر عبر الإشراك الفعلي للمواطنين والمجتمع المدني في عملية صنع القرار على المستوى المحلي والجهوي وفي التخطيط وتنفيذ السياسات العمومية ، و تعزيز الشراكات بين الحكومة والمجتمع المدني والمقاولات للرفع من الإدماج الاجتماعي وتعزيز القدرة التنافسية لجلب الاستثمارات وخلق فرص الشغل، و تفعيل مقاربة تشاركية بين كل الفاعلين قوامها تعزيز حقوق الإنسان وتحقيق التماسك الاجتماعي واعتماد الاقتصاد الأخضر و إرساء الجهوية المتقدمة مع تحقيق العدالة الاجتماعية و المجالية.

وخالص القول ، فإن التنمية الحقيقة هي تنمية الإنسان وأن النهوض بهذه التنمية في ظل دولة القانون مسار طويل لا يمكن أن يبلغ هدفه دون تكاتف الجميع: الحكومة ، البرلمان ( على مستوى التشريع والمراقبة وتقييم السياسات العمومية ) ، الجماعات المحلية ، المقاولات المواطنة ، النقابات ، المجتمع المدني ، وكذلك الإعلام.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى