مقالات وكتاب

الحسد

بقلم:مرزوق بن علي الزهراني

قال ابنُ مسعود: “لا تعادوا نِعَمَ اللَّهِ عزَّ وجَلَّ. قيل: ومَن يعادي نِعَمَ اللَّهِ؟ قال: الذين يحسُدون النَّاسَ على ما آتاهم اللَّهُ مِن فضلِه”.
تخيَّل أخي الكريم، أن تصل درجة سوء الحسد، إلى معاداة النعم التي أنعم بها المولى عز وجل على عباده. وقد قال في ذلك بعض السلف: “أولُ خطيئةٍ عُصِيَ الله بها هي الحسد، إذ حَسَدَ إبليسُ آدَمَ عندما أُمِرَ أن يسجدَ له فحمله الحَسَدُ على المعصية”.
لقد جعل الله المحبة الخالصة بين المسلمين من أوثق عرى المحبة فيه سبحانه، وجمع المتحابين فيه تحت ظل عرشه، ووثق الإسلام بذلك بوجوب المحافظة على مال المسلم وعرضه ونفسه، بأن لا يصيبه أذى ولا يُمس بسوء، ولكن تبحر بعض النفوس في مياه آسنة تتشفى ممن أنعم الله عليهم ورزقهم من خيره بالحقد والحسد؛ فينتج عن ذلك مرض خبيث: أعراضه غيبةً ونميمةً واستهزاء.
الحسد من الأمراض الخطيرة التي تفتك بالأمة أفرادا وشعوبا، كما أنه بوابة للآثام، وبضاعة اللئام، وهو صفة ذميمة لا يتصف بها سوى اصحاب النفوس المريضة والقلوب الفاسدة. ولا شك أن الحسد ينشأ بسبب الإحساس الداخلي لدى الفرد، بضعفه وعدم قدرته على تحقيق ما يريده ويطمح إليه.
وكثيرا ما ينتشر الحسد بين الأقارب والأرحام، وأبناء العمومة، وكذلك الحال في أوساط الجيران، بالإضافة إلى الأصدقاء والزملاء. ومن المعلوم أن القريب الحاسد لا يود أن يكون أحد أقاربه أفضل منه؛ فيما يتباهى به الناس ويتفاخرون، حتى وإن كان أخا له ابن أبيه وأمه. والجار الذي استولى عليه الحسد، لا يود أن يكون جاره أحسن منه في منصب أو مال أوجاه أو علم. وكذلك الحال بالنسبة للزملاء في المدرسة أو الجامعة أو الوظيفة أو التجارة وحتى الفلاحيين لا يرضى أحدهم أن يتقدم قرينه عليه أو أن يفوقه بمهارة من المهارات في أي مجال من مجالات الحياة.
لذلك لا تستغربوا من حصول العديد من المشكلات والصدامات والوشايات، والعداوات التي تترتب عليها القطيعة والخذلان وتشتت القلوب، وفشل العلاقات التي لا تقوم على التعاون والصفاء والتسامح والإخاء.
و من المؤكد أن الحاسد أول المتضررين من حسده، حيث أن الحسد نار مشتعلة أول ما تهلك الشخص الذي يشعل فتيلها. وقد قيل في الأثر:” لله در الحسد ما أعدله بدأ بصاحبه فقتله”.
ومهما يكن من أمر، فأن الحاسد صاحب نفس خبيثة تكره رؤية النعمة بادية على الآخرين؛ ولهذا يتمنى زوالها عن المُنْعَم عليه، وقد حذرنا النبي صل الله عليه وسلم من شرور الحاسد ونتائج حسده حين قال: “العين حق، ولو أن شيئًا سبق القضاء لسبقته ” رواه مسلم. وقد جاء عن السمرقندي أنه قال: للحاسد خمس عقوبات في الدنيا تحل به قبل أن يصل شره وحسده للمحسود؛ غم لا ينقطع، ومصيبة لا يؤجر عليها، ومذمة لا يحمد عليها، وسخط من الرب سبحانه، وانغلاق باب التوفيق عنه.

لا يمكن أن يجتمع شمل الأمة، إلا إذا طهرت قلوب أبنائها وتماسكت فيما بينها بكل ود وصفاء، ولن يؤمن المسلم حتى يحب لأخيه المسلم ما يحبه لنفسه. و قد قال رجل مخاطبا مَنْ حَسَدَه:

ألا قلْ لمنْ باتَ لي حاسداً أتدري على مَنْ أَسَأتَ الأدبْ

أسأتَ على الله في فِــــعله لأنّكَ لم ترضَ لي ما وَهَبْ

فكانَ جَزاؤك أنْ زادنــــي وَسَدَّ لَديك طريقَ الطَّلبْ

وختاما نقول؛ اللهم لا تجعل أنفسنا حاقدة حاسدة، وارزقنا الرضا والقناعة، ولا تجعلنا نمد أبصارنا إلى ما متعت به غيرنا، وارضنا بما رزقتنا يا أرحم الراحمين.

بقلم:
مرزوق بن علي الزهراني
alzmarzouq@gmail.com

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى