مقالات وكتاب

الموت بشرف

بقلم  ــ  مرزوق بن علي الزهراني

 

قد يكون بعض الأشخاص على استعداد لتقبل العناء والمعاناة من أجل الامتناع عن التسليم للظلم والاستعباد، بينما قد يُفضِّل آخرون الأمان والنجاة حتى وإن كان ذلك يعني التنازل عن بعض الحقوق. وكم لنا من القصص والعبر من أحداث مهمة في تاريخ الإسلام والمسلمين، ولعل منها: مقتل” الحسين بن علي ” -رضي الله عنهما- فبعد وفاة الإمام “علي بن أبي طالب “رضي الله عنه، توَّلى ابنه” الحسين” الخلافة بشكل طوعي وامتثالًا لوثيقة الصلح التي وقعها “معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه”. ومن ثم تنازل “الحسين رضي الله عنه” عن الخلافة” لمعاوية” لحفظ الوحدة وتجنب إراقة دماء المسلمين. وبعد وفاة “معاوية”، بُدِّلت طريقة اختيار الخليفة إلى الشورى إلا أنه تم اختيار ابنه “يزيد بن معاوية” خليفة، مما أثار رفضًا من بعض الصحابة والتابعين، ومنهم “الحسين بن علي” و”عبد الرحمن بن أبي بكر” و”عبد الله بن الزبير”، وغيرهم من الصحابة رضوان الله عليهم. فتلك البيعة “ليزيد بن معاوية رضي الله عنه” كانت نقطة انفجار تصاعدت بعدها الخلافات بين المسلمين. حتى إن زعماء الكوفة دعوا “الحسين” ليأتي إليهم ويبايعوه، وما إن جاء “الحسين” إلى العراق ، تسارعت الأحداث بين الفريقين، حتى حمي الوطيس، وبدأت المعركة، التي لم تكن بطبيعة الحال متكافئة، وذلك لأن أهل العراق وهم الذين دعوه في بداية الأمر من أجل نُصرته خذلوه وتخلوا عنه ، فحُوصِر رضي الله عنه بكتائب لا تعد ولا تحصى وقُتل عدد كبير من أتباعه، وعُرض عليه الاستسلام لكنه رفض وأصر على مواصلة القتال، وكان يقول لأصحابه إما الحياة بشرف والنجاة من ذلها، وإلا فالصبر على الموت والجنة موعدنا، واستمر في القتال رافضًا كل معاني الجبن والخضوع والاستسلام، ومضى يقول:
أَذُلُّ الْحَيَاةِ وكره الْمَمَاتِ*** وَكُلًّا أَرَاهُ طَعَامًا وَبِيلا.
فَإنْ لم يكن غير إحدَاهُمَا * فَسَيْرا إِلَى الْمَوْتِ سَيْرًا جَمِيلَا.
وواصل القتال حتى قُتل رضي عنه وأرضاه، وقُطعت رأسه، وأُرسلت إلى “يزيد بن معاوية” الذي لم يكن راضيًا عن ذلك الفعل القبيح.
وفي الجانب الآخر، كان “المعتمد بن عبَّاد” يحكم أكبر ممالك الأندلس، ولكنه رضى الذُل والهوان، عندما هرب من الموت في أحد معاركه، معتبرًا الفرار من الموت عملًا شريفًا، وقد تمَّت هزيمته أمام جيوش المرابطين، فوجد نفسه مهانًا وذليلا في المنفى، وتعرضت بناته للعبودية. ولو عاد الزمان به في تلك الحقبة لاختار القتال والموت على استمرار حياته المحاطة بكافة معاني الذل والانكسار.
ومهما يكن من أمر، فأن الشخص متى رايته يتخلى عن الكبرياء والكرامة، فهو بذلك قد يفقد مكانته ويتعرض للذل والإهانة، وربما يجد نفسه وحيدًا ومنبوذاً ومعزولًا. وسيتذوق بلا شك أصنافًا من العذاب، والظلم، والقهر، بل والخوف كل الخوف إن يعتاد حياته تلك فيصبح لا يكترث لأي ذل أو ظلم يقع عليه مستقبلا؛ وأما الحر فيشترط الكرامة والعزة، حتى أن مصطلح الذل والهوان لا يجد مكانًا في حياته، رافعًا شعار “الحياة بالشرف أو الموت بالعزة”. ولله در “الضبعي” حين قال:
إِن الهوانَ حِمارُ القومِ يعرِفهُ
والحرُّ يُنكِرُهُ والرَّسلةُ الأُجُدُ
كونوا كَبكرٍ كَما قَد كانَ أَوَلُكُم
وَلا تَكونوا كعَبدِ القَيسِ إِذ قعَدوا
يُعطونَ ما سُئِلوا وَالخطُّ مَنزِلهُم
كَما أَكَب على ذِي بَطنهِ الفهدُ
وَلَن يُقيمَ على خَسفٍ يُراد بهِ
إِلاّ الأَذلانِ عِيرُ الحي والوتِدُ.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى