الرجل المخادع
بقلم ــ مرزوق بن علي الزهراني
صلى المصلي لأمر كان يطلبه **لما انقضى الأمر لا صلى ولا صاما.
هل جميع من تظهر عليهم سمات الخير والصلاح ملتزمون ظاهرًا وباطنًا؟
للإجابة عن ذلك، دعونا نغوص في أعماق القصة التالية:
بدأت مدينة الإسكندرية بناءً على قصة تاريخية قديمة، إذ كانت تعتبر مدينة عجيبة ومتميزة بأشكالها المعمارية الرائعة وتحصيناتها القوية التي أقيمت للحماية. وقد شيدت منارة بحرية عظيمة على يد “الإسكندر المقدوني” لتكون رمزًا للأمان وحارسًا مخلصًا للمدينة. كانت تلك المنارة تنبه بأصواتها أي خطر قادم وتعتبر جزءًا أساسيًا من الحماية الدائمة للمدينة.. كان ذلك الإنذار المتعاقب، يصل إلى الأسماع من على بعد خمسة أميال!
وإذا جاءت الحملات الصليبية على تلك المدينة، كان الفشل حليفها على الدوام. حتى ضاق قادة الصليب بذلك، فأرسلوا جاسوسًا داهية، يُدعي ” سلوم ” الذي اتخذ تدابير متقنة لكسب ثقة سكان المدينة. باستخدام مهاراته في التعلم السريع للعربية والتظاهر بالتدين، استطاع نيل حب وثقة الناس في وقت قصير. حتى عينه السلطان في مكانة مرموقة ومنحه صلاحيات ووظائف هامة داخل الدولة. وبهذا، استطاع “سلوم التأثير “على قرارات الدولة وتوجيه الأعمال والمهام بمكانته الجديدة.. وقد استغل ثقة السلطان وأعد خطة غاشمة لهدم المنارة بزعم وجود كنوز ثمينة تحتها. ورغم أنه كان يعمل بإخلاص وكفاءة لصالح السلطان، إلا أن نصيحته المسمومة أدت إلى هدم المنارة دون جدوى، حيث لم يُعثر على الكنوز المزعومة. -ومن هذا الموقف يظهر أهمية التحقق من الحقائق قبل اتخاذ القرارات الهامة، وضرورة الحذر من الغرور والطمع الذي قد يؤدي إلى تدمير ما هو زكي ونافع-.
وتبين للناس أن” سلوم” خدعهم، وكُشفت الحقيقة المرة وراء وعوده المزيفة التي دمرت المنارة. لكنه هرب في الليل وانضم إلى جيش الصليبيين، تاركاً السلطان ورجاله في حالة من اليأس. وأمر السلطان قواته بالعثور على “سلوم” لمثوله أمام العدالة، لكن دون جدوى، اختفى دون أثر. لم يمر وقت طويل حتى هاجمت سفن الصليبيين المدينة، قتلت الكثير وأسرت السلطان. وتم نقله سريعًا إلى بلاد الترك لمحاكمته أمام الصليبيين. فنظم أحد الشعراء قصيدة في ذلك الجاسوس المخادع “سلوم”، جاء في مطلعها:
صلى المصلي لأمر كان يطلبه. **لما انقضى الأمر لا صلى ولا صاما.
سلوم ما زاد في الإسلام خردلة. ** ولا ترهبن في أمر ولا قاما.
وبناءً على الأحداث السابقة، يمكن أن يكون اتخاذ بعض الأشخاص في العصر الحالي للتدين والالتزام والمشاركة في الأعمال الخيرية مجرد وسيلة لاكتساب ثقة الناس من أجل تحقيق مصالحهم الشخصية دون احترام لقيم الدين والإيمان. بل قد يفتقرون إلى الخوف والورع من الله تعالى ويتجاهلون مشاعر العباد.