الأسس البيولوجية وأثرها على السلوك الإنساني
بقلم ــ مرزوق بن علي الزهراني
لقد أثارت اكتشافات علماء الفسيولوجيا والطب والتشريح اهتمام علماء النفس والتربية، نظرًا لأثر تلك الاكتشافات في فهم الأسس البيولوجية للسلوك بشكل عام والمعرفة بشكل خاص. حيث تتمثل هذه الاكتشافات في التعرف على وظائف الدماغ والغدد والحواس والأجهزة الأخرى؛ إذ أظهرت الدراسات أهمية دورها في تشكيل السلوك البشري وفي ردود الفعل للفرد في سياقات الحياة المختلفة. وبفضل هذه الاكتشافات، أصبح بإمكاننا فهم كيفية عمل هذه الأعضاء وتنظيمها لتأدية الوظائف المختلفة في جسم الإنسان. ويُعَدُّ الدماغ أحد أهم العناصر الحيوية التي تلعب دورًا أساسيًا في التحكم بالسلوك البشري، إذ هو المركز الرئيس الذي يتحكم في وظائف جميع الأعضاء والأنظمة في الجسد البشري؛ ونظرًا لاحتواء الدماغ على ملايين الخلايا العصبية التي تتفاعل مع بعضها لتنتج مجموعات متنوعة من الأفكار والمشاعر والسلوكيات، بالإضافة إلى ذلك، فقد ركزت الدراسات على تركيب الدماغ ووظائفه المختلفة. ومن تداعيات ذلك، أن أكدت على الأثر الهائل لهذا العضو على السلوك البشري بشكل عام.
ولقد ركزت الاهتمامات التعليمية والتربوية على كيفية تعلم الدماغ ومسارات التنمية للمعرفة. وقد أظهرت الأبحاث أن الدماغ يتمتع بمرونة عالية وقدرة هائلة على تشكيل اتصالات جديدة وتغيير مساراتها وفق الحاجة. مما يعني، أن العقل البشري قادر على التكيف مع البيئة المحيطة والتعلم من الخبرات الجديدة. وإلى جانب الدماغ، فقد أظهرت الدراسات التفاتًا لوظائف الغدد وتأثيرها على السلوك البشري. وقد توصلت معظم الدراسات في هذا المجال إلى أن هناك عدة غدد في جسم الإنسان تفرز بشكل دائم ومستمر مواد كيميائية وهرمونات تلعب أدوارًا كبيرة وهامة في تنظيم العمليات النفسية والفسيولوجية. ويؤكد ذلك على أهمية فهم تلك الغدد والأدوار التي تقوم بها، وكذلك الكيفية التي تعمل بها، متى ما أردنا الوصول إلى فهم واعٍ لتأثير توازنها وانقلابها على السلوكيات البشرية.
ومن النتائج المثيرة للاهتمام التي توصل إليها الباحثون في هذا المجال، مثلاً، تأثير بعض الهرمونات على المزاج والتصرفات الاجتماعية للأفراد. فقد توصل الباحثون إلى أن هناك صلة وثيقة بين هرمون “السيروتونين” والشعور بحالة من السعادة والرضا، بينما يؤثر هرمون “الكورتيزول” على الاستجابة للضغوط والتوتر اليومي.
كما تعتبر الحواس الخمس عنصرًا أساسيًا في فهم الأسس البيولوجية للسلوك الإنساني؛ فكل حاسة في جسم الإنسان تقوم بوظائف معينة، ولها أدوار محددة، حيث يتلقى الدماغ من خلالها معلومات دقيقة ذات صلة بالبيئة يقوم بتحولها مباشرة إلى إشارات عقلية يمكن تحليلها وتفسيرها ليتم على ضوءها اتخاذ رد الفعل المناسب. ومما يجب الإشارة إليه هنا، أن دراسة الكيفية التي تعمل بها الحواس وإرسالها الإشارات إلى الدماغ، يساعدنا في فهم الكيفية التي يتلقى بها الإنسان المعلومات من العالم الخارجي مما يؤدى إلى استجابته لها وتفاعله معها كما ينبغي. وعلاوة على ذلك، فهناك أجهزة أخرى في جسم الإنسان تؤثر على السلوك البشري وتقوم بأدوار كبيرة أيضا، مثل الجهاز العصبي المركزي والطرق التي يتم بها نقل الإشارات العصبية.
إن إدراك الأسس البيولوجية للسلوك والمعرفة بطرق عمل الدماغ والغدد والحواس والأجهزة الأخرى يلعب دورًا هامًا في تشكيل شخصياتنا وسلوكياتنا. ومن خلال هذه المعرفة، يمكن توجيه التربية والتعليم بشكل أفضل لتطوير القدرات وتحقيق النجاح الشخصي والمهني. وفي الختام، فإن فهم الأسس البيولوجية للسلوك يعتبر أمرًا حيويًا في مجالات متعددة مثل الفسيولوجيا والطب والنفس والتربية، حيث يسهم في الحصول على نظرة شاملة حول كيفية تفاعل وتأثير عناصر الجسم على سلوكنا وتفكيرنا اليومي.