نحو الهدف: تعليم واقتصاد
بقلم ـ د. عبد الرحمن بن محمد المقرن
إن المواطن السعودى يتأمل في قيادة سمو ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان -يحفظه الله- لبرنامج التحول الوطني 2020 على المدى القريب، وكذلك رؤية المملكة 2030 على المدى البعيد خيراً كثيراً لاحتوائهما على إعادة هيكلة أجهزة الدولة كافة لتقليل الاعتماد على النفط وللحصول على أعلى العوائد بأقل جهد ومال ووقت في سبيل الرقي بمجتمعنا لمنافسة العالم المتقدم في كافة المجالات مما يحدونا جميعاً للعمل باحترافية عالية وسقف مفتوح لطموحاتنا مقروناً بالتخطيط والجودة في التنفيذ والتوثيق تحت شعار الشفافية والمحاسبة، لنقول للمحسن أحسنت وللمسيء أسأت.
ويحظى قطاع التعليم بأهمية بالغة، إذ إن من أهم الأهداف هو التحول نحو اقتصاد المعرفة وأن تكون المملكة بلداً صناعياً، ولذلك سعت الدولة من خلال مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية لوضع خطة شاملة لقطاع التعليم تحوي العديد من البرامج والمبادرات الطموحة والرائدة، ولكن عندما نقرأ تقريراً حكومياً رسميًا من وزارة العمل والتنمية الاجتماعية يشير إلى أن 93 % من الشركات الوطنية تواجه صعوبة في العثور على موظفين وموظفات سعوديين من ذوي المهارات العالية كما أن 50 % من خريجي الجامعات هم خريجو تخصصات نظرية؛ مما أدى إلى فجوة كبيرة بين متطلبات السوق وتخصصات الخريجين.
وليس أدل على ذلك من أنه يتم ابتعاث بعض البنين والبنات للدراسة في الخارج من أجل العودة لدعم سوق العمل السعودي بما تعلمونه في بلدان العالم، إلا أننا نجدهم أهدروا الكثير من الجهود والأموال والأعمار، وفي آخر المطاف يقوم المبتعث بافتتاح مطعم وما شابهه من مهن لا تمت بصلة لدراسته التي اُبتعث من أجلها. ويرجع السبب إلى عدم معرفة ميول وقدرات هولاء الطلاب مبكرًا، فلو تم معرفتها لما تم ابتعاثهم وقمنا بالحفاظ على مقدرات الدولة.
لذا فإنه لابد أن تلتفت الوزارة إلى الكيف وليس الكم؛ بمعنى أن مخرجات الوزارة لا يوجد فروق فيما بينها إذ إنها حالياً تخرج خمسة ملايين طالب أو أكثر بنسخة واحدة، تعلموا العلوم نفسَها بشكلها المعتاد دون التفريق بين الأهم والمهم وغير المهم من التخصصات، ومن أجل تحسين المخرجات في أي عمل لابد لنا من إعادة النظر فى المدخلات وكذلك العمليات للوصول للعيوب الصفرية، ومن هنا فلو رجعنا للركائز الأساسية للتعليم في دول العالم سنجد أن أهم ركيزتين هما الدين واللغة، لذا فإن ما يأخذه الطلاب والطالبات في العديد من المقررات الدراسية يعد حشواً لا يعينهم في أمور حياتهم. وبما أن الدولة ستقوم بخصخصة العديد من قطاعاتها فستكون وفرة للوظائف لدى القطاع الخاص، فلابد لنا من حصر الاحتياج الحالي والمستقبلي لكافة التخصصات في القطاع الخاص وإدراجها في خطة تطوير التعليم لتلبية الطلب. ومن هنا فالأفضل أن تتبنى الوزارة نظاماً جديداً يحافظ على هوية المملكة العربية السعودية دينياً ولغوياً مع تكريس التخصص منذ الصف الأول الابتدائي، أو كحد أقصى الرابع الابتدائي، بالتعاون مع المركز الوطني للقياس والتقويم لِوضع اختبارات للقدرات قبل دخول المدرسة، مبنية على بوصلة الشخصية لكل طالب ليتضح لنا توجهات الطلاب ومهاراتهم وقدراتهم الوراثية وكذلك ما يمكن أن يكتسبه كل منهم وفق معايير ثلاثة (حاجة -رغبة -قدرة )، حاجة السوق ورغبة وقدرات الطلاب، وبذلك سيتم الاستغناء عن العديد من التخصصات الحالية التي لا تتوافق مع سوق العمل اليوم ولا مع رؤية المملكه 2030 مستقبلاً، ليتم استبدالها بتخصصات جديدة تخدم الرؤية وتواكب العصر في مجالات نظرية كالاستثمار والتسويق والإدارة وكذلك مجالات علمية كالتصنيع الرقمي والذكاء الاصطناعي وغيرهما من التخصصات العلمية الأخرى بحسب متطلبات السوق. وعلى سبيل المثال سيكون لدينا تخصصات في الهندسة الإلكترونية والميكانيكية والبرمجة والفيزياء والرياضيات وغيرها لإتاحة الفرصة لكافة الطلاب والطالبات بتنفيذ مخترعاتهم بأنفسهم وبمشاركة زملائهم ليكونوا منتجين لا مستهلكين، ومن ثم فإن لأبنائنا حقاً علينا في دعم مخترعاتهم ومساندتهم للحصول على براءات الاختراع محلياً ودولياً وتسويق منتجاتهم عالمياً لتكتمل دائرة العمل الطموح لتحقيق هدفين معاً، هما توطين التقنية وكذلك الاستثمار في الكوادر الوطنية المبتكرة للوصول بركبنا إلى الاقتصاد المعرفي بإذن الله تعالى.