الخطر الإيراني القادم
منذ الثورة الإيرانية عام 1979 و القيادة الإيرانية تسعى إلى تصدير هذه الثورة بهدف التدخل في دول الجوار ، كما أنشأت العديد من الجمعيات الخيرية والمراكز الثقافية الشيعية خارج إيران لكسب تعاطف المسلمين عموما والشيعة العرب. و الهدف من ذلك كسب أنظمة و هيئات و شخصيات موالية للنظام الإيراني في الشرق الأوسط و شمال إفريقيا تمهيدا للسيطرة على بعض المواقع . و هذا ما أكدته شخصية حكومية إيرانية بارزة في سياقات الاحتفالات بذكرى الثورة الإيرانية عام 2015 ، حيث أعلن قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني اللواء قاسم سليماني أن “مؤشرات تصدير الثورة الإسلامية باتت مشهودة في كل المنطقة بدءا من البحرين والعراق إلى سوريا واليمن وحتى شمال أفريقيا ” .
لقد أصبحت السيطرة الاقليمية هدفا استراتيجيا لإيران بعد ثورة الخميني سنة 1979 ، تلك السيطرة هي التي دفعت المملكة العربية السعودية وحلفائها من دول الخليج إلى التحرك من أجل التصدي للخطر الإيراني القادم ، لأن السعودية شعرت بأنها أصبحت محاطة و محاصرة من كل الجهات.
ولذلك ، لا ينبغي التشكيك في حقيقة الأطماع الإيرانية للهيمنة السياسية و الاستراتيجية على منطقة الخليج العربي ، والتي تفسرها التدخلات المستمرة لإيران في الشؤون الداخلية لعدد من الدول في منطقة الخليج ، ومخططها التوسعي في المناطق العربية ، خصوصا مناطق الحزام الشيعي والخليج العربي ، كما حصل في العراق وسوريا وجزء من لبنان.
فإيران تدعم حليفها التقليدي حزب الله بلبنان منذ مدة ، وتحالفت مع نظام بشار الأسد بسوريا ، وهذا لا يمكن تفسيره كنوع من التضامن مع الشيعة العلويين بسوريا بقدر ما هو طموح إيراني جغرافي يهدف إلى مراقبة كل من العراق و سوريا، من جهة ، و من جهة ثانية ، الخوف من المملكة العربية السعودية أن تعمل على الإطاحة بنظام بشار الأسد.
و موازاة مع أطماعها التوسعية ، فإن إيران أصبحت تشكل خطرا حقيقيا على الأمن بالمنطقة ، لأنها لم تلتزم باحترام الاتفاق النووي بينها و بين الغرب ، كذلك خالفت إيران قرارات مجلس الأمن والعقوبات الدولية فيما يتعلق بالتجارب الصاروخية.
ولذلك ، فإن الخطر والتهديد الإيراني اليوم لا يستهدف الاستقرار في الخليج و الشرق الأوسط و المنطقة العربية فقط ، و إنما أصبح يهدد الأمن و السلم الدوليين والمصالح الاقتصادية و الجيو-ستراتيجية العالمية.
ونشير في هذا الصدد إلى ما قاله وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق، هنري كيسنجر، عندما نشر تحليلا مطولا يناقش فيه أساسا التحديات التي تواجه أمريكا ودول حلف الأطلنطي في ظل الظروف والأوضاع العالمية الراهنة. حيث حذر من خلاله المجتمع الدولي بقوله : ” إذا سيطر الحرس الثوري الإيراني، أو القوى الشيعية التي دربتها إيران وتوجهها وتتحكم فيها، على أراضي داعش في العراق وسوريا، فقد تكون النتيجة هي إقامة حزام من الأراضي يمتد من طهران إلى بيروت، وهو الأمر الذي يمكن أن يقود إلى ظهور امبراطورية إيرانية راديكالية متطرفة “.
فمعلوم أن إيران خططت منذ سنوات لمرحلة ما بعد هزيمة داعش كي تكون هي القوة المسيطرة فعليا في العراق وسوريا، وذلك عبر عمليات تطهير طائفي وعرقي في مناطق واسعة في العراق وسوريا. وهي اليوم القوة النافذة في هاتين الدولتين. و السبب في ذلك أن الدول العربية تركت ساحة العراق وسوريا طوال السنوات الماضية مفتوحة أمام إيران و ميليشياتها لتحكم قبضتها عمليا على الحكم.
خاتمة :
إننا ونحن نسوق هذه الأدلة في تعاظم الخطر الداهم الذي تمثله إيران في المنطقة، و إلى أن هذا الخطر في طريقه إلى التعاظم و التفاقم، فإنه لا بد من ضرورة التحرك فورا والتخطيط لوقف النظام الإيراني التوسعي و ذلك من خلال مجموعة من التدابير ، نذكر من بينها :
– دعم جهود دول التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية في الحد من هذا الخطر سواء على المستوى الديبلوماسي أو العسكري إن اقتضى الحال .
– وضع خطة شاملة للتصدي للإيديولوجية الإيرانية ، فبالإضافة للجانب الأمني والعسكري لابد من محاربة إيران فكريا .
– دفع إيران إلى احترام الشرعية الدولية من خلال مراجعة الاتفاق النووي و إكماله خصوصا بشأن البرنامج الصاروخي البالستي في إيران ، و وجوب ربط الاتفاق النووي مع إيران بمرحلة ما بعد عام 2025 ومعالجة مسألة البرنامج الصاروخي الإيراني.
مدير مركز الرباط للدراسات السياسية و الاستراتيجية