عام

نزاع الصحراء و خيار اللجوء إلى القوة

ما نشهده الآن هو فصل جديد من النزاع حول الصحراء، و هو امتداد للحرب السياسية و الدبلوماسية التي تشنها جبهة البوليساريو ضد المغرب ، حيث تمر قضية الصحراء المغربية خلال هذه الأيام من مرحلة حرجة جراء مناورات البوليساريو المتجلية في اكتساح المنطقة العازلة شرقي الصحراء ، في خرق سافر للاتفاق العسكري المبرم بين طرفي النزاع سنة 1991 تحت إشراف منظمة الأمم المتحدة .
فجبهة البوليساريو تريد أن تجعل من منطقتي بير الحلو وتيفاريتي الواقعتين في المنطقة العازلة، شريطا على الحدود الشرقية للصحراء التي تنتشر فيه القوات الأممية “المينورسو ” ، أماكن استقرار دائمة لها.
فقد أظهرت صور ملتقطة عبر القمر الاصطناعي العسكري “الساتل” الذي أ طلق مؤخرا ، أشغال بناء منشئات عدة ؛ إحداها على مساحة 900 متر مربع (المنشأة الأولى)، وأخرى على مساحة 2000 متر مربع (المنشأة الثانية)، مع وجود دلائل على احتمال إخضاعها لتوسيع كبير مستقبلا. كما تم الانتهاء، أخيرا ، من تشييد منصات بساحة مخصصة للاستعراضات العسكرية، بطول ممتد على مسافة قدرها 320 مترا.
وتهدف عملية نقل منشئات إدارية وعسكرية إلى المنطقة العازلة إلى جعلها نواة مخيم جديد لتوطين عشرات الآلاف من خمسة مخيمات مقامة في ولاية تندوف، جنوب الجزائر. فجبهة البوليساريو تخطط بجدية لنقل مقر وزارة دفاعها ، المتضمنة مكاتب قائد الأركان العامة للمليشيا المسلحة وقادة الوحدات العسكرية، إلى “بير لحلو ” بالمنطقة المحظورة ، منزوعة السلاح ، شرق الجدار الأمني المغربي ، و مجلس الشعب إلى ” تفاريتي” كطريقة لفرض الأمر الواقع على المنتظم الدولي ، بعدما شعرت الجبهة بتراجع مخطط تقرير المصير وعدم قوة و مشروعية مطالبها ، مع تراجع العديد من الدول من تقديم لها الدعم السياسي و المادي ، و أيضا محاولة الجزائر استفزاز السلطات المغربية من خلال دفع الجبهة إلى اختراق المنطقة العازلة للضغط على المغرب بقبول شروطهما بإقامة دولة مستقلة ، و أيضا دفع المغرب إلى الدخول في دوامة الحرب ، بعد النجاحات المتتالية للملكة على المستوى السياسي و الاقتصادي و الدبلوماسي .
هذا مع العلم أن الجزائر تطمح لإقامة دويلة في الصحراء جنوب المغرب كي تطل على المحيط الأطلسي ، لانعاش تجارتها الدولية و تسهيل عملية تصدير الغاز والبترول ، ناهيك عن رغبتها في استغلال الثروة الفوسفاطية لمنطقة بوركراع نواحي العيون ، وهو مطمح قديم يؤكده الدعم القوي للحركة الانفصالية “البوليساريو”، لأن الجزائر هي التي ساعدت على تأسيس هذه الحركة و قدمت لها المال و العتاد لخوض حرب بالنيابة ضد المغرب.
و في هذا الخصوص ، نتساءل : هل إدارة أزمة “المنطقة العازلة” تحتم اللجوء إلى استعمال القوة من قبل المغرب بإعلانه الحرب على جبهة البوليساريو؟ أم أن الأزمة يجب أن تدار بالوسائل القانونية و الدبلوماسية في إطار القانون الدولي ؟
فقبل الإجابة على السؤال ، لا بد من فهم الموضوع من مختلف الجوانب القانونية و و السياسية والدبلوماسية .
يعرف بالمنطقة العازلة في منطوق الاتفاق العسكري المشار إليه ، المنطقة التي تمتد من الجدار الأمني نحو الحدود الدولية للصحراء ، و يمنع فيها على جبهة البوليساريو الحضور عسكريا إلا تحت مراقبة بعثة المينورسو كما يمنع على الجبهة أن تحدث أي تغيير في الأوضاع القائمة منذ اتفاق 1991 و كل خرق لها قد يؤدي إلى إطلاق النار.
هذا الاتفاق يسمح بالأنشطة السياسية في منطقة الحظر وهو ما تستغله الجبهة في أكثر من مناسبة للقيام بأنشطة من هذا النوع ، مما يمثل خرقا واضحا لحسن النوايا، مع العلم أن المغرب كان يسيطر عسكريا على المنطقة العازلة و انسحب منها التزاما منه باحترام اتفاق 1991، حيث نقل المغرب بشكل رسمي مسؤولية تدبير هذه المنطقة إلى الأمم المتحدة منذ هذا العام وفقا لاتفاق وقف إطلاق النار ، ما يلقي على عاتق هذه الأخيرة مسؤولية ضبط الأوضاع في المنطقة . وهذا ما يفسر رفض المغرب بشكل قاطع فرض سياسة الأمر الواقع في المنطقة العازلة وإحداث تغييرات سواء كانت مدنية أو عمرانية أو عسكرية ، استنادا إلى القانون الدولي وإلى الاتفاق المبرم في هذا الشأن.
وتجدر الإشارة إلى أن جبهة البوليساريو سعت بشكل مستمر إلى استغلال الهامش المشار إليه في اتفاق وقف إطلاق النار ، و المتعلق بالقيام بأنشطة غير ذات طبيعة عسكرية ، و ذلك لأول مرة منذ سنة 1995 حيث تقدمت بطلب الى الأمين العام للأمم المتحدة تطلب السماح لها بنقل مقرات مليشياتها العسكرية إلى داخل منطقة الحظر الجزئي ، وهي توجد في المنطقة العازلة ، لكن الطلب رفضته الأمم المتحدة بمبرر أنه مخالف لاتفاق وقف إطلاق النار لسنة 1991 .
وفي يونيو سنة 2000 أعادت الجبهة تقديم الطلب نفسه إلى الأمم المتحدة لكن على أساس أنها ستنقل الساكنة و ليس المؤسسات و المقرات العسكرية ، فتم رفضه من الأمم المتحدة مرة أخرى .
وقد كررت الجبهة الطلب نفسه مرة ثالثة سنة 2005 بعدما أقدمت على تنظيم أنشطة سياسية شارك فيه عسكريون بلباسهم و أسلحتهم ، لكن تقرير الأمين العام للأمم المتحدة انتقد المظاهر العسكرية في المظاهرات السياسية التي لا يمنعها الاتفاق العسكري و اعتبر الحضور الدائم في منطقة الحظر انتهاكا للاتفاق المبرم بين الجانبين.
و من زاوية أخرى ، نرى أن الأعمال التي قامت بها جبهة البوليساريو في المنطقة العالة و المخالفة للقانون الدولي ، و للاتفاق العسكري لسنة 1991 ، تأتي في سياقات متعددة ، من بينها أساسا :
اقتراب صدور قرار مجلس الأمن بخصوص النزاع حول الصحراء ،
تعيين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب “جون بولتون ” مستشارا للأمن القومي الأمريكي والذي يعتبر من المدافعين الشرسين عن استعمال القوة لحسم النزاعات ، حيث كان وراء إعلان الحرب على العراق ، وكان من المدافعين عن توسع صلاحيات المينورسو في الصحراء و ، أنه صديق حميم للبوليساريو و الجزائر،
استثناء الصحراء المغربية من اتفاق الصيد البحري من قبل محكمة العدل الأوروبية،
طرح مسألة مناقشة الحدود بين الدول أعضاء الاتحاد الافريقي بحضور جبهة البوليساريو وجلوس المغرب معها تحت المظلة الإفريقية، حيث عبر المغرب عن عدم استعداده لمناقشة مسألة الحدود مع الجبهة ، و عدم استعداده للدخول في مفاوضات معها ، بصفة عامة ، في حالة تجاوز سقف الحكم الذاتي .
في ظل هذه الظروف ، وأمام انسداد الأفق أمام جبهة البوليساريو، حاولت هذه الأخيرة ، و بتوجيه من الجزائر ، أن تسلك طريقا آخر من طرق الضغط من أجل إجبار المغرب على التفاوض معها بسقف يفوق الحكم الذاتي ، وهو خرق اتفاق 1991 و إنشاء بنايات مدنية و عسكرية في المنطقة العازلة ، في الشطر الشرقي من الصحراء الذي تتواجد به قواتها ، على الأقل من باب المناورة لاستفزاز المغرب و جره إلى الحرب ، وهو تكتيك للجبهة لخلط أوراق المفاوضات ، بعد شعورها بفشل مشروعها المتمثل في تقرير المصير و إنشاء دولة مستقلة “الجمهورية الصحراوية “.
ومن الخلاصات التي نستنتجها من خلال عرضنا هذا ، أن ما تقوم به الجبهة من أعمال في المنطقة العازلة يشكل تهديدا لأمن واستقرار المنطقة ، و يعرقل مسار المفاوضات لحل متواقف بشأنه.
كما أنّ خرق اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه سنة 1991، واللجوء إلى سيناريو الحرب، سيفاقم الهشاشة الأمنية في منطقة الساحل والصحراء في ظل الفراغ الأمني الذي تشهده ، مما قد يساعد على انتشار شبكات الجريمة والإرهاب.
هذا مع العلم أن المغرب دولة تجنح دائما إلى السلم و تلتزم بقرارات الأمم المتحدة ، على اعتبار أن هذا النزاع معروض على المنظمة الأممية في انتظار قرار من مجلس الأمن يضع حدا له بشكل نهائي، علما أن مقترح الحكم الذاتي للأقاليم الصحراوية ، الذي تبناه المغرب منذ 2007 يشكل إطارا ملائما للحل .
فالمنطقة لا تحتمل الدخول في دوامة الحرب ، وأن الالتزام بالشرعية الدولية يبقى الخيار الأفضل للحفاظ أمن واستقرار المنطقة. وينبغي على منظمة الأمم المتحدة أن تتحمل مسؤوليتها في ردع جبهة البوليساريو للالتزام بالقوانين والاتفاقيات الدولية ، وعلى رأسها الاتفاق العسكري لسنة 1991 .
كما أن الجزائر ، بصفتها المحتضن والداعم الأول للجبهة و العنصر الرئيسي وراء هذه الأزمة الأخيرة ، تبقى مسؤولة عن المساهمة في إيجاد حل لها و للنزاع المفتعل حول الصحراء بصفة عامة .

الدكتور خالد الشرقاوي السموني
مدير مركز الرباط للدراسات السياسية والاستراتيجية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى