عام

مبادرة الملك سلمان لإعلاء مكانة وحفظ السنة النبوية

أنشأ خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، العام الماضي، مجمعاً للحديث النبوي الشريف في المدينة المنورة للتدقيق في استخدامات الأحاديث النبوية والقضاء على النصوص الكاذبة والمتطرفة وأي نصوص تتعارض مع تعاليم الإسلام وتبرر ارتكاب الجرائم والقتل وأعمال الإرهاب، مع تكوين مجلس علمي له يضم صفوة من علماء الحديث الشريف في العالم. هذا القرار الذي يعتبر في نظر الكثير خطوة تاريخية لجمع كلمة علماء المسلمين وإعلاء مكانة وحفظ السنة النبوية.

ويعول على مجمع خادم الحرمين الشريفين للحديث الشريف الكشف عن المفاهيم المكذوبة عن الرسول صلى الله عليه وسلم من خلال دراسة وتمحيص وتصحيح هذه المفاهيم على يدي جمع من العلماء البارزين، ونبذ ما يفترى عليه من أكاذيب وتلفيق لأحاديث باطلة ومنكرة وضعيفة.

ولا شك أن هذا المجمع سيسهم في نشر الفكر المعتدل في أوساط الشباب وتحصينهم من الغلو والأفكار المتطرفة، وتصحيح صورة الإسلام ونشر تعاليم الدين الصحيح، كما سيكون له دور في إحياء السنة النبوية والدفاع عنها في جميع أنحاء العالم، وتعزيز الأمن الفكري، نظرًا لما تعيشه الأمة اليوم بسبب انحراف فكر بعض أبنائها من تكفير، وتفجير، وشدة اختلاف بدافع عقدي، سببه الغلو في التدين والجهل بمقاصد الشريعة السمحاء.

فما أحوج المجتمعات الإسلامية من تمكين عقلية الشباب المسلم، على الخصوص، من أدوات الفهم والنظر والمعرفة لرصد الانحرافات الفكرية، ومعالجتها على ضوء الشريعة بعيداً عن الغلو والتطرف، وخلق تنشئة صحيحة مبنية على التحصين العقدي، وحماية المعتقد الإسلامي من العبث الفكري، وسلامته من الانحراف والتضليل، واتباع المنهج الحق بالاستناد على قواعد الوسطية والاعتدال. فالمسلمون هم أمة وسط، يقول الله تعالى في كتابه الحكيم: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً).

وما يفترى على الرسول صلى الله عليه وسلم من أكاذيب وتلفيق لأحاديث باطلة ومنكرة وضعيفة، قد تجعل الإنسان المسلم تبعاً لهواه، خاضعاً للفكر الظلامي، لا يبصر الحق، فيدخل تحت قوله تعالى: (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ).

ولا ريب في أن تلفيق بعض الأحاديث الباطلة والمنكرة والموضوعة التي تدعو إلى التشدد والتعصب والكراهية، دون نظر إلى الدليل الذي بُنيت عليه، يخالف مقاصد الشريعة الإسلامية، فالله سبحانه وتعالى يقول: (قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ)، وقال تعالى أيضاً: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً).

لقد جرَّ التطرف والتعصُّب على الأمة الإسلامية بلاءً عظيماً، وجعلها فرقاً وأحزاباً، وكثرت أعمال القتل والتفجير، وقتل الأبرياء من المواطنين والمستأمنين الأجانب في البلاد الإسلامية، والإخلال بالأمن وإثارة الرعب في قلوب الناس، وتشويه صورة الإسلام وسماحته.

وكثيراً ما نجد أن من أسباب هذا الانحراف العقدي، يعود إلى اعتماد أحاديث باطلة، لا أساس لها من شروط الحديث النبوي الصحيح. ولذلك فإن تكوين مجلس علمي لمجمع الحديث النبوي الشريف يضم صفوة من علماء الحديث الشريف في العالم، سيكون له أثر إيجابي في تصحيح المفاهيم الخاطئة في السنة النبوية. قال الله تعالى: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ). وسيجنب الكثير من المسلمين، خاصة الشباب منهم، من الغلو في الدين. كما جاء في الحديث النبوي الشريف: (وإياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى