عام

كورونا حتى في المنام!

القوة العاملة في أي اقتصاد تتكون في معظمها من القطاع الحكومي بجميع هيئاته ومؤسساته، والخاص بجميع أشكاله (مؤسسات، شركات، أعمال حرة، مهن، حرف).

وفي الوقت الذي يتقاضى فيه موظف القطاع العام أجره (حول العالم) في موعد ثابت ومحدد ومنتظم، فإن كثيرا من موظفي القطاع الخاص يتعرضون لتأخر أجورهم بحسب ظروف جهة عملهم أو مهنتهم.

وتقوم الدول كل منها بحسب أنظمتها وقوانينها ومقدار رعايتها بحماية أجور العاملين في القطاع الخاص. ولا شك أن للمملكة دورا رياديا وفعالا في هذا المضمار، إلا أن الظرف (الكوروني الكوني) اليوم يستوجب نظرة استثنائية لهذا الجانب.

فالعامل في القطاع الخاص قد تمر به الأزمات التالية، جميعها أو بعضها:

– تأخر صرف الرواتب لأكثر من شهر.

– ارتفاع فواتير الخدمات العامة أخيرا (الكهرباء والمياه، الرسوم، الوقود… إلخ).

– تزايد تكلفة الكهرباء والمياه بسبب إجازات المدارس والجامعات، وبالتالي وجود أفراد الأسرة بالمنزل طوال اليوم، وما يستتبعه ذلك من ارتفاع في استهلاك المياه والكهرباء والهاتف… إلخ.

– الحاجة الماسة (المطلوبة رسميا وصحيا وعقلانيا) لتوفير مواد لم تكن ضمن المستهلك الطبيعي (المعقمات، المنظفات، القفازات، الكمامات، أدوية خفض الحرارة، موازين قياس الحرارة… إلخ)، والتي ظهرت الحاجة لها بسبب هذا الوباء.

– ارتفاع أسعار المواد المذكورة أعلاه وغيرها بسبب بعض ضعاف النفوس من بائعيها، أو بسبب تزايد الطلب عليها محليا وعالميا وندرة وجودها.

– الحاجة لتخزين كثير من المواد الغذائية، ليس بسبب نقصها أو الخوف من ذلك، ولكن لتقليل عدد مرات الذهاب لمراكز التسوق للحصول عليها، وما يستبقه ذلك من شراء الثلاجات أو الحافظات وغيرها.

– توقف الأنشطة في عدد من القطاعات (الترفيه، الرياضة، الأماكن السياحية، المجمعات التجارية)، وكذلك التراجع المخيف في نسب الإشغال لأماكن الإيواء السياحي (فنادق، شقق مفروشة، مجمعات… إلخ)، ينعكس على قدرة هذه المنشآت على الاستمرار في توظيف العمالة، وإن حافظت على قوتها العاملة، تعذر دفع أجورها.. والقائمة تطول.

ولست هنا بصدد نكء الجراح أو تعميقها أو نشر الغم والهم، ولكن هذا الحمل الثقيل حملته معي بالأمس أثناء نومي، فرأيت فيما يرى النائم أن وزارة المالية طلبت من جميع الجهات المعنية بالعاملين في القطاع الخاص (وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، التأمينات الاجتماعية، نظام حماية الأجور… وغيرها)، موافاتها ببيانات المؤسسات والشركات المتأخرة في دفع الرواتب للعاملين.

ثم راجَعَت ما هو مستحق لهذه الشركات والمؤسسات لدى أجهزة الدولة المختلفة، وعجلت بسداد جزء من هذه المستحقات لسداد القدر المناسب من مستحقات العاملين فيها، حيث جاءت كإيداعات رواتب في حساباتهم بالبنوك كما هو معتاد.

وكان غرض الوزارة مما سبق تعزيز ثقة المواطن والمقيم بقدرته على تجاوز المحنة، ووقوف الدولة إلى جانبه وفي مصلحته، حتى ولو قصرت في ذلك الجهة التي يعمل فيها.

وكان من شأن ذلك تقليل فرص انتشار الوباء، بسبب عدم حاجة هذا العامل للخروج بحثا عن مورد مالي بسبب ضائقة مالية لا مخرج منها سوى وجوده في أماكن لا ينبغي أن يوجد فيها، ومن ثم اضطراره إلى اللجوء للمنشآت الصحية التي يجب أن تحرص جميعها على بقائها في منتهى الجهوزية، للحفاظ على المنظومة الصحية التي هي بعد تقدير المولى عز وجل إلى جانب وعي المواطن والمقيم وقدرتهما المالية؛ حائط الصد لهذا الوباء.

ثم رأيت أيضا، وأؤكد هنا أنني لا أتناول طعام العشاء متأخرا – هذا إن تناولته، فلا يظن أحد أن ما أراه كوابيس مردها عسر الهضم، بل هي مجرد أحلام:

– أن البنوك السعودية والصناديق العقارية والصناعية والزراعية، وباقي مؤسسات تمويل المشاريع وما في حكمها مجتمعة، خاطبت مؤسسة النقد ووزارة المالية بقرارها تأجيل استيفاء الأقساط من المقترضين من هذه المؤسسات، لمدة شهر يجدد حسب الظروف حتى إشعار آخر.

– وأن شركات الاتصالات خاطبت وزارة الاتصالات والمعلومات بقرارها تعديل فترة تسديد فواتير الهاتف بجميع أشكاله لتصبح ربع سنوية، ابتداء من هذا الشهر، ولأجل لاحق يُعدل كما تستجد الظروف.

– وأوعزت شركتا الكهرباء والمياه لمشتركيهما عبر رسائل الجوال بترحيل سداد المستحق عليهم من فواتير إلى نهاية شهر شوال المقبل، على أن يكون سداد الفواتير المرحَّلة والمؤجلة مع الفواتير الجديدة شهرا بشهر.

– ورأيت شركات التأمين الصحي والتعاوني مجتمعة تخاطب مجلس الضمان الصحي برغبتها في إضافة كبار السن ممن يسمونهم في بريطانيا(Senior citizens) وفي الإمارات (كبار المواطنين) إلى بوالص التأمين بأسعار مساوية لبقية الفئات العمرية، من منطلق أنهم الأكثر عرضة للتأثر بأعراض الوباء ومضاعفاته، مما يستدعي تقديم الخدمة لهم بشكل استباقي حتى لا تتطور حالتهم الصحية إلى مرحلة الاحتياج لغرف العناية المركزة.

– وقررت هيئة الزكاة والدخل الإسراع في إصدار شهادات سداد الزكاة المستحقة على الشركات والمؤسسات وتمديد تواريخ صلاحيتها لثلاثة أشهر، تُجدد إن استدعى الحال، وإمهال المتأخرين مدة مماثلة.

ويسري القرار أيضا على المستحق على الشركات والمؤسسات من ضريبة المبيعات، سواء ما كان منها يُدفع بالكامل أو الأقساط المترتبة على المتعثرين في سداد ما ترتب عليهم سابقا.

بعدها لا أدري ما الذي جاء بما قامت به الدنمارك لمواجهة هذا الوباء (كفاصل إعلاني) في منتصف الرؤيا التي أنا غارق فيها، حيث قررت تعويض منظمي المناسبات العامة الضخمة الملغاة بسبب الوباء، وتمديد فترة سداد أقيام الضريبة المضافة لدافعي الضريبة، بإجمالي 100 مليار كرونا دنماركي (50 مليار ريال سعودي)، ودفع 75% من رواتب الموظفين للشركات الخاصة مقابل التزامهم بعدم تسريحهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى