سكرات الموت
بقلم:مرزوق بن علي الزهراني
قال تعالى: ﴿أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة)
كان العرب في الجاهلية ينظرون إلى الموت على أنه النهاية المطلقة، ولم يكن لديهم اعتقاد بوجود الحياة بعد الموت. ومع مجيء الإسلام، حلت العقيدة الصحيحة التي تؤسس لحقيقة الموت بعد الحياة.
يؤمن المسلمون بأن الناس جميعًا سيُبعثون يوم القيامة، وأن الحياة والموت هما ابتلاء من الله سبحانه وتعالى. قال تعالى: ” الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ”[سورة الملك: آية 2]
وقد انتشرت في زماننا اليوم؛ المظالم والفتن والحروب، واعتداء الناس بعضهم على بعض، حكومات وأفراد، فقد استبيحت الدماء والأموال دون وجه حق، ونيل من الأعراض، وانتشر الحسد، وساد التباغض، وعمت الفرقة والقطيعة بين الأرحام، وغير ذلك من المظالم والفتن التي لا تعد ولا تحصى في الكثير من أجزاء هذا الكون المترامي الأطراف.
إن الركون إلى الدنيا، والغفلة عن الله تعالى، من أعظم الأسباب التي قادت وتقود إلى وهن النفس وضعفها. لذلك كان لا بد لنا من الموت بشكل مستمر، والتمعن فيما يعانيه المرء عند دنو اجله من تعب ونصب وألم، لأن في ذلك أكبر الأثر في نشاط الهمم، وعدم الاستسلام للوهن واليأس، والتوقف عن ظلم الناس وأكل حقوقهم رجاء ثواب الله عز وجل، والنجاة من عذابه.
ومما لا شك فيه أن الموت أول منازل الآخرة وهو امر حاصل لا مفر منه ، قال سبحانه وتعالى:
“كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ” [سورة آل عمران: آية 185]
وبناءً على ما سبق، فإن أولى المصاعب التي يواجهها الإنسان عند حلول أجله هي معاناة قبض روحه التي يتولى شأنها “ملك الموت” الموكل بذلك. فتبدأ عملية القبض وانتزاع الروح من القدمين فالساقين. لذلك ربما يتبادر إلى أذهان الكثير منا السؤال التالي: لماذا يبدأ ملك الموت بسحب النفس البشرية من الأطراف السفلية ثم يسير باتجاه الرأس وليس العكس؟ قال الله تعالى: {كلا إذا بلغت التراقي * وقيل من راق * وظن أنه الفراق * والتفت الساق بالساق * إلى ربك يومئذ المساق} [سورة القيامة: آية ٢٦-٣٠]
أعتقد في قرارة نفسي أننا لو علمنا سبب ذلك، لتركنا كل ما في أيدينا، ولشرعنا في الاستعداد لذلك اليوم الذي سنمر به حتما في يوم من الأيام، سواء كان ذلك اللقاء في ليلة ظلماء أو في ضحى يوم ثقيل. فعندما تصل الأوامر إلى ملك الموت (أن اقبض روح فلان) فإن عملية القبض تبدأ بشل حركة الساقين، حتى لا يفر من كتب عليه الموت من هول ما سيشاهده ويلقاه حينما تتوالى عليه سكرات الموت.
والآن دعونا ننتقل إلى السؤال الثاني الذي لا يقل أهمية عن سابقه: هل تعلم ما هو آخر ما يسلبه منك ملك الموت؟ نعم، إنها حاسة البصر. ولكن هل تعلم لماذا؟ السبب الرئيس في تأخير قبض الروح من حاسة بصر الشخص الذي كتب عليه الموت، هو تمكينه من مشاهدة كامل فصول خروج روحه من جسده بأم عينه. اللهم هون علينا تلك اللحظات. وفي ذلك من الألم والنصب ما لا يوصف ولا يطاق، إلا أن يشاء الله التخفيف عن عبده، فذلك وارد لا محالة.
ويظهر لنا أحبتي سؤال جديد قديم: أين المفر؟ وأين المكان الذي يمكننا اللجوء إليه في ذلك اليوم؟
الجواب: ليس هناك ملجأ ولا منجى ولا مهرب من الله إلا إليه تعالى، حيث يتعذر على جميع من تعرف في ذلك اليوم دعمك ولو بقيد أنملة أو حتى مواساتك والوقوف إلى جوارك، قال تعالى: {لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد} [سورة ق: ٢٢]. . لذلك، فالإنسان كما ورد عن النبي في الحديث الذي رواه الترمذي: “الكيس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني”، وقال الترمذي وغيره من العلماء: معنى (دان نفسه) أي حاسبها.
اللهم اختم بالصالحات أعمالنا، وهون علينا سكرات الموت، وأجرنا من أهوال يوم القيامة.