عُقُوقُ الوَالِدَيْن: الظَّاهِر والمُسْتَتِر
يُقَالُ أنَّ :”مَا يُؤْلِمُ الشَّجَرَة لَيْس الْفَأْس، بَلْ مَا يُؤْلِمُهَا حَقًّا أَنْ يَدَ الْفَأْس مِنْ خَشَبِهَا”.
هلا تخيلت معي، أيها القارئ الكريم، حجم الألم الذي يعانيه الآباء والأمهات عندما يتعرضون لعقوق من أبنائهم؟ هل تخيلت تلك اللحظات التي تدمع فيها عيونهم وتتألم قلوبهم بسبب هذا الجرم البشع؟ إن جبين المسلم الحر لا شك يندى لرؤية العديد من صور العقوق التي يمارسها الكثير من الأبناء في هذا الزمان، بل ويرتعش قلبه ويهتز جسمه لشدة فظاعتها وآثارها القاسية على الجوانب النفسية للآباء والأمهات الذين يواجهون تلك الصور المختلفة من العقوق.
إن البر بالوالدين من أصعب الواجبات التي يتوجب على الإنسان القيام بها في هذه الحياة، إذ ربط الله سبحانه وتعالى رضاه برضاهم، وشكره بشكرهم، فقال عز وجل: (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ).
ولقد تداول عدد من الرواة قصة مؤثرة ومفجعة تحكي أن أبًا ابتلاه الله بابن مشاغب غير سوي، حيث باءت محاولاته الكثيرة في توجيه ذلك الابن ونصحه وإرشاده بالفشل. وفي ذروة اليأس، هاجم الابن الأب معتديًا عليه بيده، مما دفع الأب إلى السفر إلى مكة المكرمة للدعاء على ابنه أمام الكعبة المشرفة. فما أن انتهى من دعائه الغاضب إلا وقد استجيب له، حيث تعرض ابنه لحادث مروري مروع، أصيب على أثره بإصابات بليغة في مختلف أنحاء جسده، مما أدى إلى تشخيصه طبيًا بشلل رباعي. ولقد صدق المصطفى ﷺ حين قال: (ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن: وذكر منها دعوة الوالد على ولده).
فيا لعظم مصيبتنا، إذا أهملنا وقصرنا في أداء حقوق والدينا. الوالدين الذين حرم الحق سبحانه الإساءة إليهم بل إنه منع جميع الوسائل التي قد تقود إلى إيذائهم حتى ولو كان ذلك بالضجر والتأفف من طلباتهم وقضاء حوائجهم! فقال تعالى: (فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا).
وإذا كان كل ذلك في حق من يقوم بقضاء متطلباتهم ولم يقصر في تنفيذ أوامرهم، فما بالك بمن يرفض القيام بقضاء حوائجهم؟ وماذا عن من يقصر في وصالهم والسؤال عن أحوالهم؟
ما أشد العقوق وما أبشع صوره حينما يبلغ الوالدين من الكبر عتيا، ويتخلى عنهما الأبناء وينسون جميلهما. بل إن هناك من يفضل طاعة شريكة حياته على طاعة أبويه، وآخرون يشغلهم العالم بمظاهره عن خدمتهما. بل وأزيدك من الشعر بيتًا، أن بعض الناس يُهمل والديه ويُرسلهما إلى دور المسنين، وهذا والله لهو أعلى درجات العقوق والجحود.
أعزائي، نحن بحاجة إلى التذكير بأهمية الرعاية لوالدينا وتقديرهما، فقد قال رسول الله ﷺ: “بابانِ مُعجَّلانِ عُقوبتُهما في الدنيا: البَغْيُ، وعقوق الوالدين”.
إن من يعتقد أن سلوك الوالدين يحدد كيفية معاملتهم، فمتى قصروا في حقهم، يجوز لهم المعاملة بالمثل، اعتقاد خاطئ، فالله أمر ببر الوالدين وإن كانا على دين آخر غير الإسلام بل أمر بصحبتهما بالمعروف في الدنيا والدعاء لهما بالهداية وحسن الخاتمة، وهو واجب الأبناء تجاه الأبوين اللذين لا يدينان بالإسلام، فكيف بمن له أبوين مسلمين؟ أليس هم أولى وأحق بالبر والرعاية؟.
ومهما يكن من أمر، فإن بر الوالدين من أفضل الطاعات، وأوجب الواجبات، وأجل القربات، كما أن عقوقهما من كبائر الذنوب التي تُعجّل عقوبتها لصاحبها في الدنيا قبل الآخرة.
فاحذر أخي/ أختي من العقوق الظاهر أو المستتر، فإنه جريمة شنيعة وفاحشة عظيمة، بل إنه كبيرة من كبائر الذنوب وموبقة من الموبقات، التي ستقود صاحبها دون شك ولا ريب إلى الخسارة والهلاك في الدنيا والآخرة.
أعاذنا الله وإياكم من عقوق الوالدين.
بقلم
مرزوق بن علي الزهراني