مصداقية تشخيص التلاميذ الذين لديهم صعوبات في التعلم
عندما تم الاعتماد على استخدام محك” التباين بين الذكاء والتحصيل الدراسي ” لسنوات طويلة كمعيار رئيس لتحديد الطلبة الذين لديهم صعوبات التعلم في المملكة العربية السعودية، والذي تبين مؤخرا عدم موثوقية نتائجه في تحديد الفئة التي لديها صعوبات تعلم بشكل صحيح، بعد أن قاد استخدام هذا المعيار بشكل منفرد إلى وقوع الكثير من الأخطاء في عمليات التقييم والتشخيص، والتي أدت بدورها إلى دخول العديد من الطلبة العاديين تحت مظلة التربية الخاصة ليتم منحهم بموجب ذلك التشخيص الأهلية بشكل خاطي لتلقي كافة أنواع الخدمات التعليمية التي من المفترض ألا تٌقدم سوى لمستحقيها من الطلبة الذين تنطبق عليهم شروط الأهلية بشكل دقيق. ولقد شجع التوجه الحديث في العديد من الدول -وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية – إلى التوقف عن الاعتماد على هذا المعيار في عمليات التقييم والتشخيص بشكل أحادي للأسباب الواردة آنفا. وبناء عليه، فقد تم التوجه إلى البحث عن بدائل تشخيصية أكثر ملاءمة وموثوقية للتعرف على أولئك الطلبة الذين يحتاجون إلى وسائل دعم إضافية في التعلم. لذلك، وقع الاختيار على “نموذج الاستجابة للتدخل”، الذي برز كأحد الخيارات المهمة في التعرف على صعوبات التعلم، حيث يعتمد هذا الأنموذج على الأدلة لتحديد الطلبة الذين لديهم صعوبات في التعلم، ومن ثم تنفذ التدخلات التعليمية الفعّالة والهادفة في هذا الصدد. وعلى الرغم من كل ذلك، إلا أن ذلك الأنموذج لم يكن بأكثر حظٍ من صاحبه السابق -محك التباين- إذ تبين أنه ليس بتلك الجودة العالية التي تجعل منه معيارًا شاملاً وفعّالاً بشكل دقيق وموثوق لتحديد الطلبة الذين لديهم صعوبات في التعلم. فعلى سبيل المثال، يُحدد هذا الأنموذج بشكل أساسي الطلبة المعرضين للفشل في القراءة، ولكنه في الوقت نفسه قد يفشل في تحديد الطلاب الذين لديهم صعوبات تعلم إلى جانب القراءة في جوانب أخرى من جوانب التعلم. كما يفتقر هذا الأنموذج إلى التفاوت في تحديد الطلبة الذين يواجهون مخاطر صعوبات في التعلم، خلافًا للافتراض غير المبرر والذي ينص على أن عدم الاستجابة يعني تلقائيًا وجود صعوبات تعلم.
وبجانب ذلك، ينظر المختصون في مجال صعوبات التعلم إلى أنموذج” الاستجابة للتدخل” على أنه نشاط تمهيدي منهجي يستهدف تحديد الطلبة المعرضين لصعوبات التعلم، لكونه يقوم بعمل تحليلي متقدم من خلال إجراء تقييم نفسي شامل لتحديد الطلبة الذين قد يكون لديهم شيئ من الصعوبات أو المشكلات في عمليات التعلم، إلا أنهم يعتقدون أن تطبيق هذا الأنموذج بمفرده أيضا لا يفي بالغرض المأمول منه لكون الطلبة غير القادرين على الاستجابة عادة ما يصنفون بموجب هذا المقياس أن لديهم صعوبات تعلم.
وبناء عليه، نأمل أن يتم تنظيم التقييم ضمن إطار إجرائي مُبَرّر للطلاب الذين لديهم صعوبات في التعلم بحيث يستند إلى نظرية مؤكدة للأداء المعرفي، مما يؤدي إلى تعزيز عملية اتخاذ القرارات المتعلقة بتحديد الطلبة الذين لديهم صعوبات في التعلم بشكل أكثر دقة وصرامة. بالإضافة إلى مراعاة معايير توثيق الصعوبات، ووضع قواعد تتماشى مع القوانين واللوائح ذات الصلة.
وختامًا، مع أن المختصين في مجال صعوبات التعلم يرون أن كلا من أنموذج” الاستجابة للتدخل” ومعيار “التباين بين الذكاء والتحصيل الدراسي” هما نهجان متكاملان وليسا متنافسين؛ فما السبب الذي يمنع المختصين في مجال تقييم وتشخيص الطلبة الذين لديهم صعوبات التعلم بالمملكة العربية السعودية من اعتماد استخدام معيار الاستجابة للتدخل مع معيار التباين بين الذكاء والتحصيل في الوقت ذاته عند تقييم وتشخيص الطلبة الذين يشتبه بأن لديهم صعوبات تعلم؟
“ومن هنا، نأمل نحن الآباء والأمهات أن تقوم التوجهات المستقبلية نحو تقييم النظام التشخيصي لصعوبات التعلم وفقًا لنظام علمي حديث ذي معايير صارمة تقلل إلى أقصى حد ممكن من وقوع الأخطاء في تحديد الطلبة الذين لديهم صعوبات في التعلم”
بقلم:
مرزوق بن علي الزهراني