مقالات وكتاب

الهروب من الواقع

بقلم: مرزوق بن علي الزهراني (أبو إبراهيم)

 

إن الهروب من الواقع ظاهرة خطيرة تتفاقم بشكل متسارع، وتعني: تجاهل المرء ما يواجه من مشاكل وتحديات سواء كانت عاطفية، أو أسرية أو اجتماعية ويسعى إلى الانشغال عنها، ظننا منه أن في ذلك هو السبيل الوحيد للمحافظة على طريقة حياة هادئة بعيدة عن مواجهة ما يمكن أن يفسد تلك الحياة الوهمية التي يعيشها، – تلك الحياة المُغلفة بالخيال والمليئة بالأحلام والآمال والتي قد يكون وجودها مستحيل على أرض الواقع -.
ولعلنا نمر جميعا في بعض الأحيان بتلك المرحلة، فنشعر بالحاجة إلى الهروب من الواقع والاختباء خلف جدران من الأوهام والخيال التي نسارع إلى تصميها وبنائها بشكل لا شعوري؛ ولعل ذلك لأسباب لا تخضع لإرادتنا، فبعد أن يجد المرء منا نفسه مضطراً للهروب أملاً في التخلص من ذكريات مؤلمة تحتضنها أعماقه أو مشكلة من المشكلات التي يتعذر عليه حلها، – وزد على ذلك واقعا صعباً ومرهقاً- مما يدفعنا دفعا إلى الاحتماء بسياج وهمي هش من نسيج خيالنا.
ولا ريب، أن لكل إنسان ذكرياته المؤلمة التي تجتمع داخله في لحظات عابرة. تلك الذكريات التي نرغب في نسيانها متى ما استطعنا إلى ذلك سبيلا إلا أنها في حقيقة الأمر تظل محفورة في وجداننا، عالقة بداخلنا. فالإنسان عندما يهرب من واقعه الذي يعيشه، فأن ذلك لا يحدث سوى لإدراكه بعدم قدرته على تحمل مزيدا من الآلام التي تُسببها له تلك الذكريات.
وتلعب أيضا بعض العوامل النفسية والاجتماعية الأخرى دورا في هروبنا من الواقع، إذ أن عدم قدرتنا على تحمل بعض الأحداث، تدفعنا -وبدون تفكير محكم في العواقب المستقبلية- للفرار من هذا الواقع وتجاهل مشاعرنا المؤلمة، على الرغم من معرفتنا بأن الهروب من الواقع وسيلة غير مثمرة وغير فعالة بل غير عاملة وغير قادرة على تقديم الدعم لتجاوز تلك المشكلات.
ومهما يكن من أمر، فإن الأصل في الحياة المشقة والتعب، قال تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ}سورة البلد، آية – ٤-. كما أننا وبدون شك ميزنا الله بهذا الدين العظيم الذي رسم لنا الطريق الصحيح، لمواجهة مختلف صعوبات الحياة وأزماتها، مهما عظمت بلوتها واستفحلت مشكلتها، وذلك بالعودة للنهر المتدفق، والمعين الذي لا ينضب، القرءان العظيم ، وسنة النبي الأمين ﷺ. وإذا علمنا يقينا بأنه لا يوجد أحد على سطح هذه البُسيطة قد خلت حياته من الأزمات، والابتلاءات، والشدائد، والصعوبات بل إن الله ليبتلي عباده ليختبر قوة إيمانهم ومدى صبرهم واحتسابهم، فإن ذلك سيكون معينا على مواجهة ابتلاءات الدنيا وهمومها بالكثير من الثبات والصدق متسلحين بالصبر والاحتساب.
“وكُنَّ عَلَى يَقِينٍ بِأَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئكَ، وَمَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ “.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى