مقالات وكتاب

الصداقة الزائفة

بقلم: مرزوق بن علي الزهراني ـ أبو إبراهيم

 

علاقة خادعة لا أساس لها في الواقع، بنيت أعمدتها وشيدت معالمها على مجموعة من الأسس الكاذبة لأغراض خافية أو مصالح شخصية، يتظاهر خلالها الشخص المراوغ بالاهتمام والود والإخلاص. وهو في الحقيقة، كذاب أشر وزنديق تافه، بل إن شئت قل عديم الأخلاق، ضعيف النفس؛ فعلاقاته مع الأخرين من أجل مكاسب شخصية أو عوائد مالية.
وفي العادة، فإن هذا الكائن الشيطاني، مُدعي الصداقة يسعى لإظهار الود الكاذب والتعاطف الغادر والنصح المدمر في قالب خير ومعول إحسان، حتى تظن أنه هدية ربانية أُكرمت بها في حياتك، وكأنه الأخ الشقيق الذي لم تلده أمك، والملاك الرباني المكلف بحراستك وحفظك، حتى يقنعك بضرورة اعتباره عينيك التي تُبصر بها، وعقلك الذي تفكر به، ووجدانك الذي تحب به وتبغض، وسمعك الذي تنتقي به ما يروق ويسمع، ولسانك الذي ينطق بما يدور في خلدك ويرتع.
فالأصدقاء الزائفين جبلوا على العمل بشكل دائم على ترويج الشائعات والافتراءات، ونشر مزيدا من القصص والروايات، والاخبار المغلوطة والخزعبلات، ذات الصلة بحاضرك وماضيك. بالإضافة إلى استخدام معلوماتك وأسرارك الشخصية التي قد تكون بُحت بها لهم إبان فترة السكرة الزائفة للصداقة، وقد يبتزونك بها ويساومونك على مدلولاتها.
ومن المعلوم الذي لا يخالطه شك، والواضح الذي لا يداخله ريب، والثابت الذي لا يُجادل فيه عاقل ، صعوبة تشخيص وتحديد نوعية الصداقة في بداية انطلاقها، فلا مندوحة من القول، بأن ذلك يحتاج إلى ردح من الزمن وشيئا من الفطنة والتروي، يساند ذلك مزيدا من المواقف والأحداث المتعارضة والمتداخلة، فإذا بك ترى اهتزاز جذع تلك الشجرة الزائفة وفروعها، لتبدأ حينئذ مرحلة تساقط أوراق الزيغ والزيف والخداع التي غطت طوال الفترة الماضية على عوار تلك الأشجار السامة والفروع الضامة، لتكشف عن تلك الصداقة الزائفة، و النوايا الهابطة، والمخططات المهلكة، والمؤامرات الساقطة.
ومر كاتب هذه السطور بتجربة مريرة مع مجموعة من المخادعين والعقورين أصحاب العلاقات الزائفة، والذين كانوا لا ينفكون عن شخصه ولا يبرحون مكانه، يسامرونه طوال الليالي، تجمعهم أباريق الشاي الأخضر! ولكن هيهات أن يترك اللئيم طباعه التي جُبل عليها، والخيانة التي استحسن أثارها، حتى غدى كالإسفنج الفاخر الذي متى ما وقع عليه الماء امتصه امتصاصا تاما، حتى لا تكاد أن ترى له أثرا.
وليس بوسع أحد حصر أسباب إقامة سيل من العلاقات الزائفة بين العديد من الأفراد في هذا العصر المتأزم المنكوس. ولكن يمكننا العروج على بعضها بصورة مختصرة؛إذ قد يكون لدى أولئك المرائين دوافع خفية لإقامة مثل ذلك النوع من الصداقات الزائفة، كما قد يكون الشخص الزائف يشكو من عُقد نقص تلازمه أو مخاوف تطارده أوغيرة تحاصره، فيعمل على معالجة كل ذلك من خلال التلاعب بمشاعر الأخرين وإيقاع الضرر بهم لتحقيق نشوة القوة والجبروت.
ومهما يكن من أمر، فإن للصداقة قدسيتها ومكانتها الاجتماعية العالية، ولنا في صداقة النبي الكريم محمد ﷺ وصاحبه وخليله أبو بكر الصديق، القدوة والمثل الأعلى، فتلك الصداقة الطاهرة التي خلدها التاريخ ومدحها القران في ثنايا صفحاته، فقال تعالى {إِلا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا}.
وفي الختام، فإن الصداقة الواعية والواعدة تُبنى بين أفرادها على الاحترام والصدق والثقة والتفاهم المتبادل، وتساهم في تعزيز الرفاهية النفسية والاجتماعية. لذلك، علينا الحذر من إطلاق مسمى الصداقة على كل تافه أو عابر على حياتنا، حتى لا نقول يوماً أن الأصدقاء قد تغيروا.
“”وما نخشى على ظهورنا من عدو واضح وشريف، قدر ما نخشى على قلوبنا من صديق مراوغ مخادع غير نظيف””.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى