مقالات وكتاب

” إلا أطفالنا “

بقلم ـ احمد العنقري

 

يوماً ما ستدرك أن شواطئك المهجورة من ذوي أرحامك هي ملاذك الآمن حين تموج الحياة بمشكلاتها وتتلاطم أمواجها، وستحزن أشد الحزن ندماً عندما تتيّقن ان أسباب هذا “الهجر” كانت أبسط من أن نقف عندها لحظات، وأنها كانت مجرد خلافات بسيطة بين الكبار نُقلت الى الصغار، وعاش الأطفال فيها صراعات لا ذنب لهم فيها، بل توارثوها وكانوا ضحية لنزع كل معاني الطفولة البريئة الغضة من قلوبهم ليشتد عودهم على أحقاد اصدقائهم الصغار وأرحامهم الكبار !.

ومن هنا لزم أن تعود نفسك على أن تتكيء على عصا صلة الأرحام التي تقيم ظهرك المنحني، فيومٍ ما ستحتاج أو ستشتاق إلى من يسعفك في مواجهة مشكلات الحياة والتي لن تجد حينها سوى أقربائك، لذلك لا تدع المشكلات الصغيرة تفسد حبال الود بينك وبينهم، وعلموا أولادكم حل مشاكلهم الطفولية الصغيرة فيما بينهم بطريقتهم الخاصة وبقلوبهم الملائكية النقيّة وأنفسهم الزكيّة، وحبهم للجميع، فلا يوجد أي مبرر للاستماع لوساوس شيطانية لإحداث فجوات متتالية تكبر مع الزمن بسبب الصغار، وهنا لابد من وجوب الاحتكام المباشر الى الحكمة والتأني والتسامح والطيبة..

ضع نفسك مكان الآخرين فلا أحد يرضى على أبنائه أن يعنفّهم أو يتنمر عليهم أي شخص كائناً من كان، وعلى الصغار إن حدث مثل هذا السلوك المشين، إبلاغ أحد والديّ المعنّف والمتنمر؛ لتوجيه أبنائه وإصلاح الموقف بدلا من تأجيج الموقف بالتدخل لصالح ابنه، فكما قيل قديما “الكبار يتفاضحون والصغار يتصالحون”.

وفي منعطف آخر، الخوف أشد الخوف على هذا الجيل الذي ينشأ على مقاطعة أقربائه، ويجفّ مداد المشاعر نحوهم ليفتقد على مرّالأيام من كانوا يملأون حياتهم بهجًة وسرورًا وينتظرون جمعة الأهل والعائلة كفرحة العيد.
وفي منعطف هام آخر لأطفالنا، ماذا ننتظر من جيلٍ ينشأ على هذه الثقافة الغريبة! انتبهوا لآذان اطفالكم وابتعدوا عن ملء عقولهم وقلوبهم بكلمات.. ابتعد عن الطفل فلان، لا تكلمي الطفلة فلانة!!.. هذا السلوك لم نكن نتوقعه أبداً وخصوصاً في الأسر الكريمة، وعليك بدلا من ذلك توجيه أبنائك وتقوية أواصر المحبة وتعزيز التقارب والاحترام والتقدير بينهم وبين أقاربهم ونشر الثقافة الأخلاقية الجميلة لهذا الجيل الطاهر النقي.

يامن تماديت على الأطفال بتعنيفهم أو بممارسة أي نوع من أنواع التنمر قد تكون عشت لحضتك! لكن اعلم إنك خالفت هدي النبي صلى الله عليهم وسلم، فقد كان شديدَ الاهتمام بهم، ودعا إلى تأديبهم وغرس الأخلاق الكريمة في نفوسهم، وحثّ على رحمتهم والشفقة عليهم، فقال “من لم يرحمْ صغيرَنا، ويعرف حَقَّ كبيرِنا، فليس منا”، وكان صلى الله عليه وسلم أيضاً وعلى عظيم قدره، وعلو منزلته، هو من يبدأ بالسلام على الأطفال حباً لهم، ورِفقاً بهم، وتلطفاً معهم، لإشعارهم بمكانتهم وإعطائهم الثقة بأنفسهم، وقد مدحهم وأثنى عليهم.

ختاماً، لتكن لنا وقفة مع النفس نحاسبها ونراجعها ونتقّ الله في الاطفال ونزرع فيهم جميل المعاني والصفات والحب والمودة لنعيد للأنفس صفاءها وللروح سكونها ونرسي اشرعتنا على شواطئ الأمان ونحسن تعاملنا مع احباب الله ليعيشوا مستقبلاً مشرقاً مليئاً بالذكريات الجميلة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى