مقالات وكتاب

أزمة سياسات وتنظيمات قطاع الاتصالات في الأردن

بقلم – عبدالله الشهري

تابعت العديد من وسائل الإعلام الإقليمية والدولية مؤخراً أخبار واقع ومستجدات الأزمة التي يشهدها قطاع الاتصالات الأردني حالياً على ضوء التخبط الحاصل في السياسات والقوانين التنظيمية الخاصة بمشروع إطلاق الجيل الخامس في المملكة التي أعلنت عنه الحكومة في شهر سبتمبر من العام الفائت. وفي الوقت التي تشجع فيه الحكومة الأردنية على الإسراع في تنفيذ مشروع إطلاق شبكات الجيل الخامس لأهميته كمحور دعم رئيسي لرؤية التحديث الاقتصادي، يسود انطباع بين أوساط المعنيين بأن القوانين التنظيمية لقطاع الاتصالات في الأردن المسؤولة عن خلق حالة توازن وتجانس بين الأهداف الوطنية الاستراتيجية ومصالح شركات الاتصالات والموردين العالميين لتكنولوجيا الجيل الخامس، لم ترتقي لطموحات القطاع وأهداف المشروع ومصالح الشركات العالمية كما يجب.

المناقصات الخاصة بالمشروع التي قدمتها شركات غربية وصينية ممثلة بإريكسون ونوكيا وراكوتين وهواوي وزي تي إي للمشغلين الثلاثة في الأردن أورانج وزين وأمنية يكتنفها الغموض ولم تشهد أي إعلان عن مراحلها ومستجداتها. وتعزو العديد من المصادر الإعلامية ذلك لمحاولات الاستخبارات الأردنية إجبار شركات الاتصالات الأردنية الثلاثة على رفض التعامل مع الموردين الصينيين وخاصة هواوي التي كان هناك تسريبات حول عزم الحكومة الأردنية سن سياسة تنزع بموجبها معدات شبكاتها من الأردن على مدى ثلاث سنوات. وفي هذا الصدد، كشف مسؤول تنفيذي رفيع المستوى في شركة اتصالات أن الاستخبارات الأردنية مارست ضغوطات كبيرة على شركات الاتصالات لعدم اختيار الشركتين الصينيتين زي تي إي وهواوي للعمل على بناء شبكات الجيل الخامس في الأردن.          

الاستثناء الوحيد في الإعلان عن نتائج مناقصات المشروع كان من شركة أمنية التي أعلنت عن اختيارها لشركة إريكسون السويدية كشريك لها في إطلاق لمرحلة الأولى من نشر شبكات الجيل الخامس، ما تسبب بالعديد من التساؤلات حول شفافية إجراءات المناقصات وأثر الضغط الممارس من المؤسسة الاستخباراتية في الأردن التي لا تملك خبرة وصلاحيات السلطة التنظيمية للاتصالات ممثلة بهيئة تنظيم قطاع الاتصالات التي أعلنت بوضوح من خلال متحدثيها الرسميين بأن حيادية التكنولوجيا أمر حيوي لبناء مستقبل رقمي مشرق في المملكة يسهم في مسيرة التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وأن اختيار مشغلي الاتصالات للموردين في مشروع إطلاق الجيل الخامس متروك لهم تماماً. 

معالي وزيرة الاستثمار الأردني خلود السقاف صرحت مؤخراً بأن القانون الجديد لبيئة الاستثمار سيكشل نقلة نوعية في تطوير بيئة الاستثمار في الأردن، وستقدم الحكومة من خلاله كافة التسهيلات اللازمة والإجراءات السريعة وتضمن عدالة وشفافية التنافس في سوق الأردن والارتقاء بتجربة الاستثمار لأرقى المعايير الدولية. الأمر الذي يتعارض واقعياً مع الحاصل حالياً في سوق الاتصالات الأردني ومناقصات مشروع إطلاق الجيل الخامس والتنظيمات والسياسات الخاصة بذلك التي لا ترعى مصالح الموردين العالميين للتكنولوجيا بشكل متوازن، وتعمل على ترجيح كفة الشركات الغربية وإقصاء الشركات الصينية بحسب المصالح التي تفرضها التحالفات الدولية وإملاءات الولايات المتحدة بخصوص أقصاء شركة هواوي بالاستناد لمزاعم تتعلق بأمن معدات الشركة تؤكد العديد من المصادر الإعلامية الدولية بأنها مجرد ادعاءات لا تستند لحقائق، وأنها تعتمد على قوة ضغط الولايات المتحدة على حلفائها فيما يتعلق بمحاولات ثني عزيمة الصين القوية وشركاتها التي وصلت للعالمية عن إمكانية ريادة مستقبل أسواق الجيل الخامس والتقنيات الأخرة الهامة كالذكاء الاصطناعي.

تجربة العديد من وزارات الاتصالات وهيئات تنظيم الاتصالات ومشغلي الاتصالات في الدول التي قطعت شوطاً كبيراً في مجال نشر تقنية الجيل الخامس وتطبيقاته التجارية وأولها المملكة العربية السعوودية ودول الخليج استندت لمبداً حيادية التكنولوجيا وبعدها عن التموجات الجيوسياسية وإعطاء الفرصة بشكل عادل لكافة موردي التكنولوجيا العالميين لأخذ دورهم في بناء شبكات الاتصالات وتوفير أقصى خبراتهم وإمكاناتهم. ولطالما كان تقييم هؤلاء الموردين يتم بناء على تطور ابتكاراتهم وجدوى أسعارهم ونجاح مشاريعهم في الأسواق العالمية وتطابق تقنياتهم مع المعايير الدولية التي ترعاها منظمات دولية كالجمعية الدولية لشبكات الهاتف المحمول (جي اس ام ايه) المتخصصة بمعايير الاتصالات. ومن واجب هيئات تنظيم الاتصالات في كافة الدول ضمان بيئة تنافسية عادلة لكافة الموردين، وبالتالي ضمان أفضل نتيجة للمستهلك على مستوى جودة الخدمات وتكلفتها. والمملكة العربية السعودية مثال يحتذى في تسهيل عمل المستثمرين وتوفير بيئة استثمارية جاذبة ومنح فرص وتسهيلات متساوية للجميع بغض النظر عن جنسية الشركات، خصوصاً في مجال التكنولوجيا التي تضمنتها رؤية المملكة 2030 كأحد أهم الدعائم الرئيسية للتنمية والتطوير

قد يؤدي نهج الانتقائية في الشركاء واستبعاد الشركات الصينية كهواوي عن مشروع الجيل الخامس في الأردن لتأخير تنفيذ المشروع ورفع تكلفته بالنسبة للمشغلين وخسارة فرص الاستفادة من قدرات الشبكات الموجودة على أرض الواقع بإدراة شركات صينية كهواوي التي تمتلك الحصة الأكبر في سوق الاتصالات الأردني مع المشغلين الثلاثة. والحظر الذي يجري الحديث عنه لهذه الشركة ينتهك فعلياً حقوق الشركات في مجال التنافس الحر، خصوصاً مع تناقل أخبار إفشاء أسعار مناقصات الشركات الصينية في الأردن للمنافسين.

الاستفادة من تجارب الدول الأخرى وإعطاء فرص متساوية لجميع الشركاء أمر حيوي للوفاء بمتطلبات المرحلة القادمة من التنمية الاجتماعية والاقتصادية وبناء الاقتصاد الرقمي المستدام في المملكة الأردنية الهاشمية وسائر الدول العربية. وكما هو الحال في المملكة العربية السعودية، يجب أن تتضافر كافة جهود المؤسسات الحكومية في مجال إرساء القوانين والسياسات التنظيمية التي توفر بيئة خصبة للشركات العالمية لتعطي أفضل مالديها من خبرات وإمكانيات وتضعها في خدمة مستقبل المشاريع والأهداف الوطنية التي تنشدها قيادة المملكة الحكيمة لصالح رفاهية شعبها.  

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى