تربية وتطوع
بقلم : د.سعاد بنت عبدالرحمن الفهيد
التطوع ما تبرع به الإنسان من ذات نفسه غير مفروض عليه، والعمل التطوعي ممارسة إنسانية ارتبطت ارتباطاً وثيقاً بكل معاني الخير والعمل الصالح في المجتمعات البشرية منذ الأزل، يختلف في حجمه وشكله واتجاهاته ودوافعه من مجتمع إلى آخر، ومن فرد إلى آخر، ومن زمن إلى أخر، فحجم التطوع يقل في فترات الرخاء ويزيد في الأزمات، ويتنوع شكله ما بين جهد بدني أو نفع عقلي أو تبرع مالي أو حتى كف أذى، ومن حيث الاتجاه فقد يكون ذاتياً من تلقاء الفرد أو منظماً من قبل الدولة، ومن حيث منطلقه فقد يكون دافع نفسي أو حافز اجتماعي.
تربوياً التطوع بصفته عمل خيري طوعي هو تربية للنفس وغرس لشعور الاعتزاز وتدعيم الثقة بالنفس في ذات المتطوع، وهو من معايير الصحة النفسية السليمة، قال تعالى: {فمن تطوع خيرا فهو خير له}(البقرة:184) والخير هنا إشارة إلى فائدة التطوع النفسية الكبيرة للمتطوع، وفي قصص الأنبياء والصالحين أروع الأمثلة التي تدل على أن العمل التطوعي من صفات المصطفين المحسنين، فهي تربية ربانية يسعى لها المتسامين للعلياء.
هو تربية عبادية نتقرب بها إلى من أمرنا بها، يقول الله جل جلاله: {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان }(المائدة:2) وفيها دلالة على تنوع أعمال الخير -برحمة الله- يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من نفس عن مؤمن كربة من كرب يوم الدنيا، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه )) وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه يمنح رسول الله صلى الله عليه وسلم الخيرية لمقدمي النفع للناس حيث قال: ((وخير الناس أنفعهم للناس)).
ومن باب إدخال السرور أدعوكم أن تنظروا إلى حالكم، يبشركم نبينا الكريم أننا في يسير العمل على درب التطوع والتصدق سائرين!، يقول رسولنا صلى الله عليه وسلم في رواية أبو ذر الغفاري رضي الله عنه:((وتبسمك في وجه أخيك صدقة وإماطتك الحجر والشوكة والعظم عن الناس صدقة وهديك الرجل في أرض الضالة لك صدقة)).
ولكن.. لنحذر العطاء الملغوم!
يقول ابن الرومي:
ليس الكريم الذي يعطي عطيتَهُ —-على الثناء وإن أغلى به الثمنا
بل الكريم الذي يعطي عطيته—— لغير شيء سوى استحسانه الحسنا
لايستثيب ببذلِ العُرْفِ محْمدة ً——-ولا يَمُنُّ إذا ما قَلَّد المِننا
حتى لتحسب أن الله أجبَرَهُ على السماحِ ——ولم يَخْلُقْهُ مُمْتَحَنا
وفي إلماحة تربوية يقول المتنبي :
إِذا الجودُ لم يرزقْ خلاصا من الأذى ——فلا الحمدُ مكسوباً ولا المالُ باقيا
وللنفسِ أَخلاقٌ تدلُّ على الفتى ——أكانَ سخاءً ما أتى أم تساخيا
ورحمة ربي تتجلى في عظمة هذا الدين الذي جعل أجر التطوع من الله، والجائزة أن جعله من المحسنين، طريق ممهد للموقنين بأن الآخرة هي دار الخلود.
ومن فضل الله أن جعل بلادي رأساً في التطوع والعمل الخيري، لننظر مثالاً إلى المنصة الوطنية للعمل التطوعي التي جمعت الفرص المتاحة في بلادي لكافة أفراد المجتمع المؤهلين للتطوع بما وهبهم الله، ولنحمد الله حمداً كثيراً.
عسى الله أن يديم علينا نعمته برضاه وفضله وجوده وإحسانه، والحمد لله رب العالمين.
————
بقلم ______ د.سعاد بنت عبدالرحمن الفهيد