شبكات الجيل الخامس: معترك تكنولوجي جديد تدخله المدن الذكية
سيسهم إطلاق شبكات الجيل الخامس في تسريع وتيرة التحوُّل الرقمي على نطاق عالمي – وهذه حقيقة عرفناها لسنوات. ولكن على الصعيد المحلي، ستؤجج هذه الشبكات المعترك التنافسي المحتدم والذي من شأنه تغيير الوضع الاقتصادي لمدن بأكملها ومستوى الرخاء فيها. ويصبح لزاماً على هذه المدن، إذا كانت ترغب في الحفاظ على قدرتها التنافسية، للبقاء في طليعة عصر العولمة، وتسعى إلى تسهيل استخدام الذكاء الاصطناعي، إدخال تقنيات الجيل القادم لاتصالات الأجهزة المتنقلة في مجالات الأعمال والقطاعات التقنية والطبية والنقل، لتفتح الباب على مصراعيه أمام مؤسساتها لاستكشاف فرص جديدة لتحقيق النمو والابتكار.
التعاون من أجل التنافس
إذا أرادت المدن والدول في الشرق الأوسط أن تنافس على الساحة العالمية لتحجز لنفسها مكاناً بين المدن الذكية، فعليها أن تحرص على زيادة حجم التعاون بين قطاع الاتصالات والحكومة نظراً لما يمثله ذلك من أهمية كبيرة. وستضمن جهود التعاون المبذولة في هذا الصدد اتباع السياسات والإجراءات التي تتيح نشر الخدمات ودمجها بسلاسة وسهولة. ومن خلال تهيئة بيئة ملائمة لازدهار وتطوير التقنيات الجديدة من خلال وضع سياسات مواتية مثل الضرائب المرنة، والتسعير العادل للطيف الترددي، وتسهيل استخراج التراخيص، ستكون لدى الحكومات القدرة على تسريع وتيرة انتشار شبكات الجيل الخامس، ومن ثمَّ إتاحة فرص نمو جديدة لمُشغلي الاتصالات ومؤسسات العمل في دولهم.
وعلى النطاق الأوسع، يمثل التعاون العالمي أهميةً كبيرة في مواكبة التطور والنجاح في المنافسة، إذ ليست هناك شركة أو دولة تعيش بمعزل عن عالمنا الحافل بالتطورات التقنية الهائلة. وما دمنا نعيش في عالم المعلوماتية، فلا يمكننا إغفال أهمية الاعتماد المتبادل فيما بيننا داخل مجتمع المعلومات الذي نعاصره اليوم، وذلك لأن روابط هذا الاعتماد هي التي تدفع المجتمع الإنساني نحو اللحاق بركب التقدم. ومما لا شك فيه أن تحقيق التقدم التكنولوجي يتطلب تضافر جهود آلاف بل عشرات الآلاف من الشركات وتكاتفها معاً.
ومع انتشار شبكات الجيل الخامس التي بدأت بوادر ها تلوح في الأفق، حرصت “هواوي” على إرساء الأسس اللازمة التي تحقق للأفراد والمؤسسات الاستفادة من هذه الشبكات الجديدة من خلال بناء نظام إيكولوجي عالمي لتقنية المعلومات والاتصالات. وعلى صعيد المنطقة، نحرص على تعزيز شراكاتنا مع مشغلي الاتصالات للتخطيط لإنشاء محطات أساسية ومواقع مصممة خصيصاً وفقاً للمتطلبات المحددة للمنطقة، ونشيِّد أيضاً البنية التحتية اللازمة التي تحتاجها المدن لاستخدام شبكات الجيل الخامس على طريقتها ووفقاً لخارطة الطريق الإستراتيجية لهذه المدن.
تشغيل شبكات الجيل الخامس
مع بزوغ فجر شبكات الجيل الخامس الجديدة، لنا أن نتخيل حجم الإمكانات التي ستوفرها هذه الشبكات. ستُحدِث شبكات الجيل الخامس تحولاً جذرياً في طريقة اتصال الأجهزة بالإنترنت، والتحول الأهم من ذلك هو في طريقة اتصال هذه الأجهزة ببعضها البعض. فبينما كانت شبكات الجيل الرابع تمثل تطوراً هائلاً ونقلة نوعية لشبكات الجيل الثالث، كانت تقنية الجيل الخامس العامل الرئيسي في تمكين “الثورة الصناعية الرابعة”، ومستوى جديد للاتصالات المتنقلة سيدعم التقنيات الحديثة مثل تقنية الذكاء الاصطناعي، ووسائل النقل ذاتية القيادة، والحوسبة السحابية، والأجهزة المنزلية الذكية. ومن ضمن السيناريوهات الواقعية لاستخدام هذه التقنية، الربط التام بين شبكة من السيارات ذاتية القيادة عبر تقنية الجيل الخامس، ونقل البيانات بين هذه السيارات، والتفاعل مع إشارات المرور وأجهزة استشعار الطرق، الأمر الذي سيضع حداً لحوادث الطرق ويخلصنا من المشكلة الأزلية للمدن والتي تتمثل في أزمة المرور. ولا بد أن نذكر أن هذه المزايا تتجاوز نطاق التكنولوجيا لتشمل البيئة، إذ تساهم تقنية الجيل الخامس في الحد من التلوث وربما إزالة آثار سنوات طويلة من التلوث البيئي. وفي مجال الرعاية الصحية، ستتمكن أجهزة الروبوت – بفضل تقنية الجيل الخامس – من إجراء عمليات جراحية عن بُعد بمساعدة الجراحين الخبراء المتواجدين في أماكن أخرى في الوقت ذاته. وفيما يتعلق بإمكانية الاتصال، ستتيح تقنية الجيل الخامس تجربة شبكة مخصَّصة بدرجة أكبر فيما يعرف بـ “تقسيم الشبكة” والتي تُعد طريقة جديدة لإنشاء شبكات لاسلكية منفصلة تتيح للمستخدمين إنشاء شبكتهم الخاصة المُصممة حسب الطلب.
ولا تقدم لنا هذه الأمثلة سوى لمحة بسيطة عن الإمكانات التي تتيحها شبكات الجيل الخامس لإثراء حياتنا اليومية، ولكن بوسائل تساهم جميعها في التأثير على قرار أي مواطن أو شركة حول الاستقرار في أي موقع. ومن خلال إرساء الأساس السليم لشبكات الجيل الخامس، ستتمكن الحكومات من تحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للمدن بدرجة هائلة.
الذكاء الاصطناعي يعزز تمكين العمليات الذكية
في عام 2016، أعلنّا عن رؤيتنا لعالم المستقبل الذكي حيث تتصل جميع الأشياء ببعضها البعض وتعتمد على الاستشعار والذكاء الاصطناعي. وقد بذلنا جهداً كبيراً في العمل على تحقيق هذه الرؤية. وأعلنّا في العام الماضي عن الحل الشامل في مجال الذكاء الاصطناعي والمناسب لجميع السيناريوهات. كما ضاعفنا القوة الحوسبية الهائلة لشرائح الذكاء الاصطناعي. وللمضي قدماً، ستركز جهودنا على إتاحة تقنية الذكاء الاصطناعي بصورة أكبر وتيسير استخدامها.
يُعد استخدام تقنية الذكاء الاصطناعي في المحطات الأساسية لشبكات الجيل الخامس لإجراء عمليات مسح للمواقع من المجالات التي حققنا فيها إنجازات هائلة في الآونة الأخيرة. وعلى الرغم من أن عمليات مسح المواقع وتجميع البيانات كانت تتم يدوياً، إلا أن إدخال تقنية الذكاء الاصطناعي أتاح للمهندسين إنشاء رسوم بيانية ثلاثية الأبعاد للمواقع وإكمال عمليات مسح المواقع بعدد قليل فقط من الصور المطلوبة للموقع. ويتم الانتهاء من إدخال المعلومات وتجميعها في السحابة حيث يتم إعداد تقارير المسح بشكل تلقائي. وتساهم تقنية الذكاء الاصطناعي في زيادة كفاءة عملية مسح المواقع وزيادة دقتها وسرعتها بدرجة كبيرة، ويوضح هذا المثال إحدى الوسائل العديدة التي نوفّر من خلالها ميزة تنافسية: من خلال تقديم حلول شاملة ومتكاملة.
تعتبر “هواوي” من الشركات الرائدة في مجالات أخرى: فلا يوجد في العالم سوى عدد قليل من الشركات المتخصصة في مجال معدات البنية التحتية لشبكات الجيل الخامس، كما أن عدد الشركات المتخصصة في مجال تكنولوجيا الموجات الدقيقة ليس كثيراً. وتعتبر “هواوي” الشركة الوحيدة في العالم التي يمكنها دمج المحطات الأساسية لشبكات الجيل الخامس مع تقنية الموجات الدقيقة الأكثر تقدماً. وبفضل هذه الإمكانية، لا تحتاج المحطات الأساسية لشبكات الجيل الخامس التي أطلقتها “هواوي” إلى توصيلات الألياف الضوئية، وإنما يمكن استخدام الموجات الدقيقة فائقة السرعة في هذه المحطات لدعم قدرات نقل معلومات النطاق الترددي العريض فائق الاتساع. ويعتبر ذلك حلاً وجيهاً يحقق الكثير من الفائدة من الناحية الاقتصادية لمختلف المناطق حول العالم ولا توفّره أي شركة منافسة أخرى.
إن ريادتنا في مجال تقنية المعلومات والاتصالات هي نتيجة مباشرة لاستثماراتنا التي لا تُضاهى وتفانينا في مجال البحث والتطوير. وعلى مدار العقد الماضي أو نحو ذلك، استثمرنا ما يعادل 12% إلى 15% من عائداتنا في مجال البحث والتطوير، وذلك بإضافة استثمارات تزيد على 58 مليار دولار أمريكي. لقد وضعتنا هذه الاستثمارات على مدى عام على الأقل في الصدارة على مستوى الابتكار التكنولوجي، والاستخدام التجاري، والتأثير، كما أننا نحتل الصدارة في قطاع الاتصالات باعتبارنا الشركة التي يختارها مشغلو الاتصالات العالميين لتركيب شبكات الجيل الخامس. وكان لنا السبق في الكشف عن الأجهزة المتوافقة مع شبكات الجيل الخامس استعداداً لنشرها على نطاق واسع في مؤتمر الهواتف النقالة في العام الماضي. ومن خلال توفير حلول جاهزة لشبكات الجيل الخامس، نجحنا حتى الآن في توقيع 30 عقداً تجارياً في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك 9 عقود في منطقة الشرق الأوسط، وشحن أكثر من 25 ألف محطة أساسية لشبكات الجيل الخامس. وعلى الصعيد العالمي، تضعنا هذه الإنجازات في مرتبة الخبراء الموثوقين لإعداد شبكات الجيل الخامس نيابة عن مُشغلي الاتصالات.
الابتكار مصدر الإلهام للتنمية الجديدة
يأتي استثمارنا في شبكات الجيل الخامس في إطار التزامنا بدعم الرؤى الوطنية للحكومات في الأسواق التي نعمل فيها؛ ونعتقد أن شبكات الجيل الخامس ستُسَرّع وتيرة التحول الرقمي وتُمَكّن دول الشرق الأوسط من الوصول إلى هدفها في أن تصبح دولاً ذات اقتصادات متنوعة قائمة على المعرفة. نود أن نطلق الشرارة الأولى لعصر المدن الذكية ونُمَكّنها من خلال الأدوات التي تحتاج إليها للمنافسة على الساحة العالمية.
تتمثل رؤية “هواوي” في توفير الخدمات الرقمية لكل شخص وفي كل بيت ومؤسسة من أجل بناء عالم ذكي ومتصل بالكامل. وسيكون الإطلاق التجاري لخدمات الجيل الخامس في دول الخليج حدثاً هاماً لتبنّي تقنيات الذكاء الاصطناعي بالكامل مع زيادة إيرادات خدمات الاتصالات التي شهدت حالة من التراجع الكبير. وفي الإمارات العربية المتحدة، يعتبر الذكاء الاصطناعي جزءاً لا يتجزأ من رؤية الإمارات لعام 2031، والتي تمثل استراتيجية “الحكومة الذكية” في الدولة. وسيخفض الجيل المقبل من الخدمات الحكومية المعتمدة على الذكاء الاصطناعي التكاليف بنسبة 50% ويساعد في مواجهة حوالي 90% من الأزمات المالية، ما يضع الدولة في مكانة أقوى لتوفير بيئة من الرفاه والازدهار للسكان وللشركات على حد سواء. وفي الوقت ذاته، وفيما يتعلق بالمملكة العربية السعودية، فإننا نتطلع للعمل بما ينسجم مع أهداف رؤية المملكة لعام 2030 فيما يتعلق بإنشاء بنية تحتية رقمية في جميع أنحاء المملكة.
وبحلول عام 2025، سيصل عدد النقاط المتصلة بشبكات الجيل الخامس في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى 50 مليوناً، وفقاً لتقديرات الجمعية الدولية لشبكات الهاتف النقال. ونحن في “هواوي” ملتزمون التزاماً تاماً بخطتنا بتركيب شبكات الجيل الخامس في جميع أنحاء دول الخليج لتلبية احتياجات قطاع الأعمال، وإتاحة مصادر جديدة للدخل، وتعزيز التنمية الاقتصادية، ودعم المدن الذكية التي تعتمد على تقنية الجيل الخامس في المستقبل. ومن خلال التعاون مع عملائنا وشركائنا في أرجاء الشرق الأوسط، سنضمن أن تكون المنطقة في الصدارة مطوري المدن الذكية.