وزارة التعليم العالي والبحث العلمي
مضى على دمج وزارتي التعليم العالي والتربية والتعليم حوالي أربعة أعوام ؛ كانت الإرادة السامية وفقها الله تهدف من وراء قرار الدمج إلى توحيد الجهود والتوجهات وتحقيق التكامل وترشيد الموارد بحكم تقارب الأهداف التي تسعى إليها الوزارتين.
أما وقد خضنا التجربة ورأينا بأم أعيننا أن ذلك الدمج لم ينعكس على أداء الوزارتين البته من خلال سياسات معلنة واستراتيجيات منفذة على أرض الواقع باستثناء الإعلان عن الموافقة الأولية على نظام الجامعات الجديد والتطوير في علاقة ومخرجات كليات التربية بمتطلبات الوزارة والعمل المشترك خلال الأعوام الماضية وما نتج عنه من الإعلان مؤخراً عن إلغاء النظام التكاملي والعمل بالنظام التتابعي في كليات التربية.
ولو استعرضنا إهم أوجه التعاون التي كنّا ننتظرها من وراء الدمج والمتوقعة لن نجد منها شيئا، فسياسة التعليم باقية بمضامينهاومحتوباتها القديمة وعلاقات التعاون في مجال استثمار الكفاءات البشرية معدومة وخاصة الاستفادة من حملة المؤهلات العليا في التعليم العام والاستفادة من خبرات الجامعات بأعضائها ومراكزها البحثية في تطوير التعليم العام مفقودة وعقد المؤتمرات والندوات المشتركة بين الوزارتين وفِي مختلف أبعاد العمل المشتركة غير موجودة وبرامج وسياسات العمل المشتركة لخدمة المجتمع وتنمية إنسانه ومكانة غائبة تماما.
والواقع أنه من الصعب إلقاء اللوم على وزارة التعليم بعد الدمج لاعتبارات كثيرة منها ما يتعلق بضخامة الهيكل التنظيمي للوزارة ومنها ما يتعلق بإجراءات العمل الإداري وما يرتبط به من مهام الوصف الوظيفي ومساراته ومنها ما يتعلق بالإرث التاريخي للوازارة وقضاياها العالقة والمستمرة وذات الارتباط بالمواطن ومنها ما يتعلق بالموارد المالية ومنها ما يتعلق بالتماثل في ما يخص الوظائف القيادية في ظل وجود أكثر من ثمانية وعشرين مديراً بدرجة معالي وما يرتبط بها من طبيعة العلاقات الرسمية وغير الرسمية ومنها ما يتعلق بعدد الجامعات والكليات الحكومية والأهلية.
والحقيقة أن جميع منسوبي الوزارتين وحتى المواطنين يدركون بأن الدمج بين الوزارتين صورياً فقط ولم يتمكن من مفاصل العمل المشترك بين الوزارتين وكل الجهود المبذولة متواضعة للغاية ؛ وأعزو ذلك لأسباب عديدة منها على سبيل المثال لا الحصر غياب الاستراتيجية المناسبة ذات الأهداف الواضحة لتحقيق الدمج والتكامل الفعلي بين الوزارتين.
وحتى لو كانت موجودة فمن الصعب نجاحها في ظل ضخامة الهيكل التنظيمي لوزارة التعليم بما يتضمنه من جامعات وملحقات ثقافية وإدارات تعليم ومدارس ومعاهد حكومية وأهلية ونمط الإدارة المركزي للوزارة مع اتساع المساحة الجغرافية لوطننا باعتبارها قارة دون جدال والمستفيدين من خدمات الوزارة اللذين هم كل أفراد المجتمع بلا استثناء وصعوبة مواكبة المتغيرات والمستحدثات المتجددة في عالم التربية والتعليم وأثرها على النظام التعليمي مع تعقد وتنوع متطلبات ورغبات الفرد في الوقت المعاصر ووجود فجوة بين منسوبي الوزارتين وربما أزمة ثقة متبادلة تعرقل عملية تحقيق التكامل الفعلي بين الوزارتين.
وفِي ضوء ما استعرضته عن واقع الدمج بين الوزارتين وعدم تحقيق أي انجازات نوعية ملموسة ؛ أتوجه لمقام خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده – حفظهم الله – بفصل التعليم العام عن التعليم العالي وإنشاء وزارة بمسمى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي وهيئة عليا مشتركة مهمتها تنسيق استراتيجيات الوزارتين بما يكفل تحقيق التكامل بين الوزارتين في مهامها وواجباتها ومسؤولياتها الوطنية.
وكذلك أتوجه لمعالي وزير التعليم بالمبادرة واقتراح فصل التعليم العالي عن التعليم العام والمهني لصعوبة الإشراف والتقويم الدقيق على التعليم بأنواعه العام والعالي والمهني.
وفِي أقل الأحوال وعدم الاقتناع بما طٌرح في هذا المقال من قبل صنّاع القرار ؛ أقترح على معالي وزير التعليم تشكيل لجنة عليا مستقلة من قطاعات الوزارة (التعليم العام ، التعليم العالي ، التعليم المهني) ومن الأجهزة الأخرى المساندة ومن بعض قطاعات المجتمع ذات العلاقة لتقييم واقع دمج الوزارتين منذ بداية الدمج وحتى تاريخه وإعلان النتائج التي تتوصل إليها بكل شفافية ومصداقية لننطلق بعدها نحو المستقبل الأكثر إشراقاً لتعليمنا .