المحلية

كلمـة معالي مديـر جامعة الإمام د/ ابا الخيل لملتقى الجامعات السعودية

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.. أما بعد:

فإنه لا يخفى على الجميع أن (المخدرات والمؤثرات العقلية) مشكلة عالمية، وأنها في ازدياد رغم إدراك خطورتها وأبعادها وآثارها القريبة والبعيدة واستـنزافها للأرواح والجهود والأموال، بل إن ما قُدم عنها من تـقارير ودراسات وأبحاث حول العالم يشير إلى أقصى حالات الخطورة منها ويـنذر بمستـقبل غاية في الخطورة كذلك، وما دام أن الأمر بهذه الصورة المخيفة؛ فإن التحرك لإيقاف خطرها والحد من انتشاره يصبح واجباً على الجميع أفراداً ومؤسسات، وهذا يتطلب جملة من الإجراءات في مقدمتها تقوية البعد الديني وتعميق أثره، والاهتمام بالتربية من قبل الأسرة والمدرسة، وتعزيز التعاون بين القطاعات المختلفة وتقوية جانب التـنسيق بـيـنها، والعمل على تـفعيل أثر كافة التخصصات العلمية وإعداد وتهيئة مهمتين في مجال المخدرات والمؤثرات العقلية من كل هذه التخصصات كالإعلام والتربـية والطب والصيدلة والتـقـنـية واللغة والأدب، لما لهذه التخصصات من أثر بالغ في الوقاية والمعالجة أثبتته الوقائع الكثيرة والشواهد المتعددة التي وثــَّقـــت إقلاع مدمن بسبب قصيدة، وآخر بسبب معلومة طبية، أو مشهد تقني وهكذا، مع إعطاء التخصصات الشرعية الاهتمام الأكبر لما لها من أثر عميق، وتأثير على التأصيل والاستدلال، والأحكام والأقضية والأنظمة، والدعوة والخطاب، ولما تملكه من إرث عظيم خلفه علماء الشريعة عبر التاريخ الإسلامي الطويل.

إن الخطر الداهم للمخدرات والمؤثرات العقلية يجعلها أشد عداوة لوطننا وأبنائنا من أي عدو متربص أو طامع وقف بحشوده على الحدود، فواجه شعباً متماسكاً خلف قيادته المخلصة، التي استعانت بربها ثم بسواعد أبنائها في صده ومنعه حتى رده الله خائباً منكسراً، وحيث كانت مواجهة ذلك العدو على الحدود قوية ومن الجميع؛ فإن مواجهة العدو الذي يصل إلى الداخل يجب أن تكون أقوى وأن تحشد لها كل الإمكانات والقدرات، ابتداءً من إدراك حجم الخطر من الجميع والسعي إلى القيام بالمسؤولية كل فيما يخصه سواءً كانوا أفراداً رجالاً أو نساءً، آباءً أو أمهات، علماء أو غير علماء، متخصصين أو غير متخصصين، أو كانت جهة من الجهات أو مؤسسة من المؤسسات ، ثم إعلان المواجهة بالتخطيط العلمي، والبحوث والدراسات المؤصلة، والإنتاج المتـقن، والتدريب والتأهيل للمهتمين من كافة التخصصات العلمية، وكل القطاعات المختـلفة، ومن الجميع رجالاً ونساءً، وبالعمل على ابتكار برامج استباقـية، كبرامج التوعية والتثقيف والوقاية للأسرة، وفي مرحلة ما قبل المدرسة، وبرامج التوعية والتثقيف والوقاية في المراحل التعليمية المختلفة، وللمعرضين للمخدرات، وبرامج الحماية لغير المعرضين، وبرامج نوعية للمتعافين تضعف دواعي العودة القوية التي تُرجع إلى الإدمان نسبة كبيرة من المتعافين وفق ما أثبتته الإحصاءات والوقائع المشاهدة.

أيها الإخوة: إن العمل في هذا المجال جهاد في سبـيـل الله تعالى، والوقوف ضد استهداف بلادنا بهذه الآفة الخطيرة المدمرة واجب من أهم الواجبات، والجميع مسؤول ومطالب في المشاركة شرعياً ووطنياً وعلمياً حماية لأبـنائـنا وبـناتـنا الأعزاء ووطننا الغالي، وهو ما جعل الجامعة انطلاقاً من واجباتها المنوطة بها، وسعياً إلى تعزيز أثرها الشرعي والعلمي والوطني؛ تبادر إلى الطلب بإنشاء (المركز السعودي لدراسات وأبحاث الوقاية من المخدرات والمؤثرات العقلية)، الذي حظي بالموافقة السامية الكريمة والتأكيد على اهتمام القيادة الحكيمة بهذا الموضوع الحيوي المهم الذي يصب في صالح الوطن وأبنائه، والذي تلقته الجامعة بكل سرور وجعلته في مقدمة اهتماماتها، وها هي تسعى جاهدة وفي ضوء رؤية المملكة (2030) في العمل والتـنسيق، وإجراء البحوث والدراسات المتميزة الواقعية، والتدريب المستمر والتأهيل الشامل، وإنـتاج البرامج المتنوعة، واقتراح المشاريع النافعة المفيدة، والوصول بالمركز إلى مستوى متقدم على الصعيد العالمي يكون معه صاحب المرجعية الأولى في المعلوماتية المتخصصة في المخدرات والمؤثرات العقلية، تـشمل حصر المراكز المتخصصة والربط بينها، لتسهيل الوصول إلى الأبحاث والدراسات، ومعرفة المؤتمرات والندوات والفعاليات والبرامج والمشاريع، والخبراء والمهتمين، وكل ما يتعلق بالوقاية من المخدرات والمؤثرات العقلية بشكل مباشر، أو غير مباشر يتمثل في المكافحة والعلاج من الإدمان.

وإن الجامعة وقد جعلت في مقدمة اهتماماتها إنجاح المشاريع والبرامج المتعلقة بالوقاية من المخدرات والمؤثرات العقلية، لتسعى إلى القيام بواجباتها تجاه مجتمعها العزيز ووطنها الغالي، وما يسهم في تحقق تطلعات ولاة أمرها الأوفياء، كما أنها من هذا المنطلق، وامتثالاً لما نصت عليه المذكرة المرافـقة للموافـقة السامية، تـفتح المجال لكافة الأفراد من الخبراء والمهتمين والجهات الحكومية والخيرية للتعاون والإسهام في تحقيق التـقدم في مجال الوقاية من المخدرات والمؤثرات العقلية، سواءً كانوا من داخل المملكة أو من خارجها، وتهدف إلى أن تكون في مستوى تقديم الخبرة والعلم للعالم كله في مجالات الوقاية من المخدرات والمؤثرات العقلية، امتداداً للنجاحات الكبرى والمراكز المرموقة التي حققتها المملكة العربية السعودية على الصعيد العالمي في برامج مكافحة الإرهاب المستندة إلى جملة من البرامج المساعدة التي ذاع صيتها على المستوى الدولي وكسبت الثناء والإشادة وطلبات الاستفادة من قبل العديد من الدول المتقدمة كبرنامج المناصحة الرائد على مستوى العالم، وكذلك امتداداً لنجاحاتها المتعددة في برامج مكافحة المخدرات، وريادتها في مشروع حوار الحضارات، وما هذا الملتقى المبارك.. ملتقى الجامعات السعودية للوقاية من المخدرات والمؤثرات العقلية، الذي يسعدني التقديم لدليله العام وسجله العلمي؛ إلا ثمرة من ثمرات العمل المتواصل والتعاون المشترك بين مؤسسات هذه الدولة المباركة وجامعاتها المرموقة للوصول إلى النتائج المرجوة في سبيل تطوير الخطط الوقائية التي هي غاية من غايات الإستراتيجية الوطنية لمكافحة المخدرات، وتتشرف الجامعة أن يعقد هذا الملتقى بمبادرة منها وفي رحابها.

وفي الختام أتشرف برفع أخلص الشكر وأوفاه وأصدق الدعاء وأزكاه إلى مقام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وسمو ولي عهده الأمين نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ـــ حفظهم الله وسدد خطاهم ـــ، على عظيم الدعم ودوام الرعاية لأعمال هذه الجامعة ووحداتها وفروعها ومناشطها وفعالياتها، والذي كان له أكبر الأثر في نجاحاتها المتوالية، وحضورها القوي في الأوساط العلمية، ووصولها إلى مستوى مشرف ومكانة مرموقة بين الجامعات في الداخل والخارج، كما يسرني تقديم الشكر لمعالي الدكتور أحمد بن محمد العيسى وزير التعليم على دعمه المتواصل للجامعة واهتمامه الدائم بشؤونها.

وبكل التقدير أثمن جهود العاملين في الملتقى، وفي مقدمتهم سعادة الأخ الدكتور إبراهيم بن محمد الزبن عميد المركز السعودي لدراسات وأبحاث الوقاية من المخدرات والمؤثرات العقلية (حصين)، وأشكرهم على مساهمتهم الواضحة في الوصول إلى هذا المستوى المشرف للجامعة، كما أشكر عموم الباحثين والباحثات على مشاركاتهم القيمة، وكل من شارك برأي أو مشورة أثرت أعمال هذا الملتقى الكبير.

والله أسأل أن يحفظ هذا الوطن العظيم المملكة العربية السعودية، وأن يؤمِّنه بأمنه وأمانه، وأن يسدّد جهودَ ولاته ويوفقهم وأبناء شعبهم لما فيه الخير والصلاح، وأن يحمي شبابنا كافة من كل خطر وبلاء، وأن يلهمهم حب دينهم ونصرة وطنهم والقيام بواجباتهم، وأن ينفع بهذه الجهود، ويرزق القائمين عليها الإخلاص في القول والعمل، فمنه نستمد العون وهو ولي التوفيق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

 

أ. د. سليمان بن عبدالله أبا الخيل

مدير الجامعة

عضو هيئة كبار العلماء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى