المتراؤون يترقبون سماء السعودية والهلال .. والفلكيون يُجْمِعون: غدًا أول أيام العيد
يترقب ويُتابع كثير من الفلكيين، والمُترائين، بمُعظم دول العالم الإسلامي، اليوم السبت التاسع والعشرين من رمضان، هلال شهر شوال “عيد الفطر المبارك” لهذا العام 1438هـ؛ حيث جاء إجماع الفلكيين مُبكراً على أن الهلال بالإمكان رؤيته اليوم ولكن بغير العين المُجردة، وعن طريق أجهزة التلسكوب وتقنية التصوير الفلكي، وأن يوم غدٍ الأحد هو يوم العيد وغُرة شهر شوال.
وقد تناقل عدد من وسائل الإعلام مع اقتراب تحري هلال شوال لهذا العام 1438هـ، البيانات والتصريحات من المختصين في الفلك حول إمكانية رؤية هلال شهر شوال ليلة الأحد 25 يونيو 2017م، من عدمها؟، وهل شهر رمضان 29 يومًا أم 30 يومًا؟.
ويرى البعض استحالة رؤية الهلال الليلة وبالتالي يكون الأحد المتمم لشهر رمضان، بينما يرى البعض الآخر، أن الهلال سيكون موجوداً بالأفق بعد غروب شمس اليوم السبت 29 رمضان، وهذا يكفي لدخول الشهر الجديد، وهذا التباين سيؤدي إلى أن بعض الناس والدعاة سيتهم الفلكيين بالاختلاف، واختلافهم هذا دليل على ظنية علم الحساب الفلكي بزعمهم، وعليه فلا بد من الرجوع إلى اليقين وهو الرؤية بالعين -بزعمهم- وترك الحسابات الفلكية الظنية.
وكانت قد دعت المحكمة العليا بالمملكة العربية السعودية، في بيانٍ لها، عموم المسلمين في جميع أنحاء المملكة، إلى تحرّي رؤية هلال شهر شوال لهذا العام 1438هـ، مساء اليوم السبت التاسع والعشرين من شهر رمضان الجاري، وترجو ممّن يراه بالعين المجرّدة أو بالمناظير إبلاغ أقرب محكمة إليه، وتسجيل شهادته لديها، أو الاتصال بأقرب مركز لمساعدته على الوصول إلى أقرب محكمة، وتأمل ممّن لديه القدرة على الترائي الاهتمام بالأمر، والانضمام إلى اللجان المشكّلة في المناطق لهذا الغرض، واحتساب الأجر والثواب بالمشاركة في ذلك؛ لما فيه من التعاون على البر والتقوى، والنفع المتعدي لعموم المسلمين.
ففي الطائف تعتزم جمعية “آفاق” لعلوم الفضاء، القيام بالرصد الميداني لهلال شوال اليوم السبت التاسع والعشرين من رمضان، كالمعتاد، من الصباح حتى غروب الشمس من مكان التحري المعتاد في دكة بافيل بالهدا في الطائف؛ وذلك باستخدام تقنية ccd لتتبع الهلال من الصباح حتى الغروب، والدعوة عامة للجمهور للمشاركة في هذا الحدث الذي يترقبة ملايين المسلمين.
وقال الباحث الفلكي المشرف على جمعية آفاق لعلوم الفضاء “الدكتور شرف السفياني” لـ”سبق”: “تغرب الشمس في أفق مكة مكرمة عند الساعة 07:06 مساء، ويغرب القمر بعد غروب الشمس عند الساعة 07:29 مساء بتوقيت مكة المكرمة؛ فتكون فترة مُكث الهلال 23 دقيقة، وارتفاعه عن الأفق 4 درجات ونصف تقريباً، وإضاءة سطحه 0.27% من إضاءة القمر البدر، وقرناه باتجاه الجنوب، ويسمى: “هلالاً جنوبياً”، والبعد الزاوي عن الشمس قرابة 7 درجات”.
وأضاف: “بنظرة عامة على جميع الدول العربية نجد أن الهلال يغرب بعد غروب الشمس بفترة زمنية لا تقل عن 20 دقيقة، ومن خلال هذه المعطيات والحسابات الفلكية القطعية يتضح لنا جلياً تحقق الشرطين الأساسيين لدخول الشهر الجديد فلكياً؛ وهما: أولاً حدوث الاقتران الفلكي وولادة الهلال قبل غروب شمس يوم التاسع والعشرين عند الساعة 05:32 ص، والثاني غروب الهلال بعد غروب شمس يوم التاسع والعشرين بفارق زمني 23 دقيقة حسب أفق مكة المكرمة؛ وبهذا يكون -بمشيئة الله- يوم غدٍ الأحد 25 يونيو 2017م -فلكياً- هو أول أيام عيد الفطر المبارك لهذا العام 1438هـ، وبناءً عليه يكون رمضان 29 يوماً لهذا العام”.
أما ما يخص الرؤية البصرية للهلال؛ فأكد “السفياني” أنها غير مستحيلة لكنها صعبة جداً سواء بالعين المجردة أم من خلال التلسكوبات الفلكية، وأنها تحتاج ظروفاً مثالية عالية من صفاء الجو وخلوه من الملوثات البيئية، وسلامة نظر الراصدين؛ مبيناً أن الرؤية تزداد إمكانيةً كلما اتجهنا نحو بلاد المغرب العربي والغرب الأفريقي؛ بسبب ازدياد ارتفاع الهلال عن الأفق، وزيادة فترة مكثه في الأفق.
وأكد أن التباين في وجهات النظر بين الفلكيين ليس اختلافًا جوهريًّا يمكن أن يقدح في مصداقية علم الفلك، والسبب أن جميع الفلكيين في العالم العربي والإسلامي متفقون على موعد ولادة الهلال ومجمعون بلا استثناء على وجود الهلال في الأفق بعد غروب شمس اليوم السبت التاسع والعشرين من رمضان، ومتفقون أيضًا على مقدار ارتفاع الهلال عن الأفق، وشكل الهلال وفترة مكثه، وإضاءة سطحه، وهذا هو أساس واختصاص علم الحسابات الفلكية.
وعن مسألة إمكانية الرؤية للهلال أم لا؟، قال “السفياني”: “هيَ تأتي من قناعة شخصية من بعض الفلكيين مبنية على مشاهدات وبيانات وأحداث تراكمية شبيهة بهذه الحالة، مفادها: القناعة بعدم إمكانية الرؤية في مثل هذا الوضع للهلال، إذن فهي لا تمس الحسابات الفلكية بقدر ما هي اجتهادات من الفلكيين، قد تتغير مع الزمن بتغير قاعدة بيانات الرصد التراكمية في السنوات القادمة”.
وتابع: “الحقيقة أن هذا التباين لا يغير من حقيقة أن يكون يوم غدٍ الأحد هو أول أيام عيد الفطر المبارك لهذا العام 1438هـ، فلو أخذنا الأمر بعين البصيرة لوجدنا أن رؤية الهلال بالعين المجردة أو بالتلسكوب أو بأي طريقة كانت إنما هي وسيلة لغاية، وهي تأكيد دخول الشهر الجديد، بمعنى أن تحري الهلال ليس مقصودًا لذاته، إنما هو وسيلة أو طريقة للتأكد بأن الهلال الجديد قد ولد، فمهما اختلفت الطرق أو الوسائل التي تؤدي إلى هذه الغاية فهي مقبولة، والشرع لن يمانع فيها ما دامت الطريقة صحيحة ولا يغلب عليها الظن أو الخطأ، ولن يكون هناك أفضل ولا أنسب من الحسابات الفلكية القطعية التي أثبتت صدقها ودقتها؛ فلا يوجد أي مطلع يُشكك في صحتها أو كذبها، بينما النظر بالعين قد يعتريه الكذب والظن فالنصوص من السنة والوقائع التاريخية أثبتت ذلك”.
واستشهد من خلال حديثه بما يروى أن جماعة فيهم أنس بن مالك الصحابي، حضروا لرؤية هلال رمضان وكان أنس قد قارب المائة، فقال أنس: قد رأيته هو ذاك وجعل يشير إليه فلا يرونه! وكان إياس القاضي حاضرًا –وهو من الذكاء والفراسة–، فنظر إلى أنس وإذا شعرة بيضاء من حاجبه قد تدلت فوق عينه، فمسحها وسواها بحاجبه ثم قال: انظر أبا حمزة فجعل ينظر ويقول: لا أراه.
واستذكرَ عندما أُمرَ قبل سنين مضت بقضاء يوم من رمضان فات على المسلمين بسبب خطأ الرؤية بالعين، وقال الإمام تقي الدين السبكي “ت 756هـ”: إذن “الحساب قطعي والشهادة والخبر ظنيان، والظني لا يعارض القطعي، فضلاً عن أن يُقدم عليه”.
واستخلصَ “السفياني” بأن قول بعض الفلكيين باستحالة الرؤية بالعين أو بالتلسكوب لا يمنع معه أن يكون يوم غدٍ الأحد هو أول أيام عيد الفطر المبارك لهذا العام؛ لثبوت ذلك بالحسابات القطعية، وقال: في نظري أن خلاف هذا القول فيه تناقض صريح، فكيف أثبتنا وجود الهلال ونفينا أن يكون اليوم التالي هو أول أيام الشهر الجديد؟، فلا بدّ من التنبه لهذه المسألة التي قد يكون غفل عنها الكثير.
من جانبه قال مدير مركز الفلك الدولي “المهندس محمد شوكت عودة”، وفقاً لبيان المشروع الإسلامي لرصد الأهلة حول رؤية هلال العيد 1438هـ: ستتحرى معظم دول العالم الإسلامي هلال شهر شوال “عيد الفطر 1438هـ” اليوم السبت 24 يونيو، وفي هذا اليوم سيحدث الاقتران “المحاق” قبل غروب الشمس وسيغيب القمر بعد غروب الشمس في جميع الدول العربية والإسلامية، وبذلك يمكن رؤية الهلال من عدة دول إسلامية باستخدام التلسكوب وباستخدام تقنية التصوير الفلكي أيضًا، في حين أن رؤية الهلال بالعين المجردة غير ممكنة من أي مكان في العالم العربي؛ فهي ممكنة فقط من أجزاء من القارتين الأمريكيتين وأجزاء من المحيط الأطلسي والهندي.
وأضاف: “القمر اليوم السبت 24 يونيو سيغيب بعد غروب الشمس، إضافة إلى وجود إمكانية لرؤيته باستخدام عدة وسائل، فمن المتوقع أن يكون العيد في معظم الدول العربية والإسلامية يوم غدٍ الأحد 25 يونيو، أما بالنسبة للدول التي تشترط رؤية الهلال بالعين المجردة أو الدول التي لا تقبل الشهادات إذا تعارضت مع الحسابات الفلكية العلمية؛ فمن المتوقع أن يكون العيد فيها يوم الاثنين 26 يونيو”.
وبإلقاء نظرة على وضع الهلال اليوم السبت 24 يونيو من مختلف دول العالم، قال “عودة”: “نجد أن رؤية الهلال غير ممكنة لا بالعين المجردة ولا باستخدام التلسكوب على الرغم من غروب القمر بعد الشمس في كل من قارة آسيا وقارة أستراليا، ورؤية الهلال ممكنة باستخدام التلسكوب فقط من معظم أفريقيا ومن أجزاء من الولايات المتحدة، في حين أن رؤية الهلال ممكنة بالعين المجردة بصعوبة من معظم أمريكا الجنوبية والوسطى وجنوب أمريكا الشمالية، أما الأماكن التي يمكن منها رؤية الهلال بالعين المجردة بسهولة فهي المحيط الهادئ وغرب أمريكا الجنوبية.
وبالنسبة لوضع الهلال اليوم السبت 24 يونيو في بعض المدن العربية والإسلامية، قال: “إن الحسابات السطحية للهلال وقت غروب الشمس هي كما يلي:
• جاكرتا: يغيب القمر بعد 19 دقيقة من غروب الشمس، وعمره 09 ساعات و44 دقيقة. والرؤية غير ممكنة لا بالعين المجردة ولا بالتلسكوب.
• أبو ظبي: يغيب القمر بعد 19 دقيقة من غروب الشمس، وعمره 14 ساعة و16 دقيقة. والرؤية غير ممكنة لا بالعين المجردة ولا بالتلسكوب.
• مكة المكرمة: يغيب القمر بعد 23 دقيقة من غروب الشمس، وعمره 15 ساعة. والرؤية غير ممكنة لا بالعين المجردة ولا بالتلسكوب.
• عمّان: يغيب القمر بعد 19 دقيقة من غروب الشمس، وعمره 15 ساعة و35 دقيقة. والرؤية غير ممكنة لا بالعين المجردة ولا بالتلسكوب.
• القاهرة: يغيب القمر بعد 21 دقيقة من غروب الشمس، وعمره 15 ساعة و41 دقيقة. والرؤية غير ممكنة لا بالعين المجردة ولا بالتلسكوب.
• الرباط: يغيب القمر بعد 25 دقيقة من غروب الشمس، وعمره 17 ساعة و46 دقيقة. والرؤية ممكنة باستخدام التلسكوب فقط.
• الخرطوم: يغيب القمر بعد 26 دقيقة من غروب الشمس، وعمره 15 ساعة و14 دقيقة. والرؤية ممكنة باستخدام التلسكوب فقط.
وأشار إلى أن أقل مكث لهلال أمكنت رؤيته بالعين المجردة كان 29 دقيقة وتمت رؤيته يوم 20 سبتمبر 1990م من فلسطين، أما أقل عمر هلال أمكنت رؤيته بالعين المجردة فكان 15 ساعة و33 دقيقة وتمت رؤيته يوم 25 فبراير 1990م من الولايات المتحدة، ولا يكفي أن يزيد مكث الهلال وعمره على هذه القيم لتمكن رؤيته؛ إذ إن رؤية الهلال متعلقة بعوامل أخرى كبعده الزاوي عن الشمس وبعده عن الأفق لحظة رصده.