كيف نكون قدوة
تفعل النماذج السوية في حياة البشر من الأسوة والقدوة ما لا يفعله كثير من محطات الحياة وامتحانات الخبرة. بالأمس، وفي احتفال تدشين ملتقى مكة الثقافي، وتحت العنوان بعاليه، تحدث الأمير خالد الفيصل عن القدوة فقال إنهم أربعة: رب الأسرة في منزله، والمعلم في فصله، والداعية على منبر، والمسؤول الإداري في مكتبه. أضاف إليهم فضيلة الشيخ الدكتور عبدالرحمن السديس، إمام المسجد الحرام، نخب الإعلام بأقلامهم وطرائق انتشارهم المختلفة. وفي أوراق العمل الثلاث وما تلاها من المداخلات اتسعت دائرة الخيارات في القدوة. والحق أننا خرجنا من هذا الحفل الاستثنائي بمزيد من أسئلة القدوة.
كنت طالباً صغيراً في الأولى المتوسطة يوم كان معلم اللغة الإنجليزية لا يعترف بالزمن الفاصل ما بين الحصتين وكان بكل الإصرار والشغف يحتفل مع كل طالب يأتي بكلمة إنجليزية من خارج المقرر في هذه الدقائق الخمس. كان أستاذنا متفانياً دؤوباً يستهلك من جسده وطاقته في المدرسة جهداً يفوق جهد «حامي الطير» في مزارع الذرة بتلك القرى لمن يعرف في حياته هذه المهنة. مررت بعدها بمئات المعلمين وأساتذة الجامعات ولكنه، ووحده، سيبقى لي قدوة رائعة. ربما كان سبباً في اختيارات مشواري فيما بعد. قلت في مداخلتي إن القدوة هي الطبع، لا التصنع، وهي الفطرة وطرائق التربية. ومرة أخرى، كنت ذات زمن طالباً بجامعة أميركية مع خمسين ألف طالب من كل بقاع الكون وشعوبه. المفاجأة أن الجالية السعودية فازت في ذلك العام البعيد بجائزة أفضل جالية طلابية. كنا أكثر المستغربين من هذا الاختيار، فنحن لم نكن نشارك بشيء يذكر في فعاليات الجامعة وأنشطتها المختلفة. كنا في المدينة الجامعية الأميركية مجتمعا يكتفي ببعضه كما يفعل السعوديون في جامعات الابتعاث. وحين بحثنا عن سبب الفوز كان الجواب أبسط مما نتوقع: لأننا أمضينا العام كسعوديين دون أن تسجل علينا سلطات المدينة أو الجامعة قصة أمنية واحدة. كان ذلك واحداً من أجمل قصص القدوة.