عام

التوسع الإيراني في الشرق الأوسط و أثره على الاستقرار بالمنطقة

خلال سنة 2010 م ، دعا رجل الدين الإيراني المتشدد محمد باقر خرازي، في تصريح له لأحدى الصحف ، إلى إقامة ما سماه «إيران الكبرى» التي ستحكم الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، تمتد من أفغانستان إلى فلسطين، وتمهّد أمام ظهور الإمام المهدي. وأشار إلى أن قيام «إيران الكبرى» سيؤدي الى تدمير إسرائيل والدول المنافسة المجاورة لإيران، والتي اعتبرها «أوراماً سرطانية».

و سبق لدولة إيران أن أعلنت بشكل صريح عداءها لدول الخليج ، ونذكر في هذا الصدد ، ما قاله مساعد وزير الخارجية الإيراني منوشهر محمدي بأن « الأزمة المقبلة التي ستصيب منطقة الخليج بالشلل قريبا تتعلق بشرعية الأنظمة الملكية والتقليدية التي لن يكون في إمكانها البقاء في ظل الأوضاع الراهنة».

فخلال القرنيين الماضيين ، انهزمت إيران ثلاث مرات : خلال الحرب العالمية الأولى ، والحرب العالمية الثانية ، ثم في حربها مع العراق . وبعد ذلك ، أصبحت إيران تبحث عن تشكيل حزام أمني يحمي دولتها ، من خلال سياسة تغيير و إبعاد مواقع النزاع بالمنطقة.

وعلى هذا الأساس ، فإن إيران تدعم حليفها التقليدي حزب الله بلبنان منذ مدة ، وتحالفت مع نظام بشار الأسد بسوريا ، الذي لا يمكن تفسيره كنوع من التضامن مع الشيعة العلويين بسوريا فقط ، بقدر ما هو طموح إيراني جغرافي يهدف إلى مراقبة كل من العراق و سوريا.

فقد أصبحت السيطرة الاقليمية هدفا استراتيجيا لإيران بعد ثورة الخميني سنة 1979 . هذه السيطرة هي التي دفعت المملكة العربية السعودية وحلفائها من دول الخليج إلى التحرك من أجل التصدي للخطر القادم ، لأن السعودية شعرت بأنها أصبحت محاطة و محاصرة من كل الجهات.

فالنظام الإيراني دعم المعارضة في البحرين من أجل إطاحة النظام خلال ثورات الربيع العربي لولا تدخل المملكة العربية السعودية عسكريا. ثم لا ننسى التهديدات الإيرانية لمملكة البحرين ، من خلال التصريحات الإيرانية العدائية الرسمية تجاه هذه الدولة ، ومنها تصريح علي خامنئي سنة 2015م، عندما اعتبر أن “طهران ستواصل نصرة الشعوب المظلومة في دول عدة من بينها البحرين”. كما تطمح إيران أن تكون البرحين مملكة كبرى تضم البحرين و الكويت و المنطقة الشرقية ( الأحساء و القطيف ) تحت وصاية إيرانية .

أيضا يدعم النظام الإيراني الحركة الحوثية في اليمن للسيطرة على الحكم والتوسع بالمنطقة في أفق اكتساح الجنوب السعودي، حيث إن إيران أبدت اهتمامها بجنوب اليمن أكثر من شماله لموقعه الاستراتيجي المهم. و مما يؤكد الدعم الإيراني لحوثيي اليمن وجود خبراء إيرانيين مع هؤلاء يعملون على تجهيز صواريخ سكود، بالإضافة إلى تطوير صواريخ فولجا” أرض جو “التي كانت لدى وحدات الدفاع الجوي وتهيئتها لضرب أهداف جوية”. ونفس هذا الصواريخ التي أطلقت على الأراضي السعودية .

ومن جانب آخر ، حاولت إيران أن تربط علاقات تعاون على الصعيد الاقليمي مع تركيا و قطر و سلطنة عمان، تنبني على مصالح سياسية واقتصادية ، تهدف من ورائها إيران إلى تقوية نفوذها بمنطقة الشرق الاوسط ، وتفكيك منظومة دول مجلس التعاون الخليجي و زعزعة الاستقرار في الدول أعضاء المجلس ، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية ، و نذكر في هذا الصدد ، على سبيل المثال ، تصريح العميد مرتضى قربائي أحد المقربين من قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني بتهديد السعودية بقوله” إذا أصدر علي خامنئي الأوامر بضرب السعودية فلدينا 2000 صاروخ جاهزة لإطلاقها باتجاه السعودية من أصفهان”. خصوصا إذا لاحظنا زيادة وتيرة التسلح في إيران ، كتطويرها أجيال جديدة من الصواريخ الباليستية الأمر ، حيث قامت إيران باختبار صاروخ باليستي متوسط المدى في 11 أكتوبر 2015 م، لديه القدرة على حمل رؤوس نووية ، وبإمكانه تدمير أهداف على مدى يتراوح ما بين 1000 و35000 كم.

و هكذا ، يتبين أن إيران تسعى إلى تعزيز نفوذها في المنطقة خلال السنوات الأخيرة وفق استراتيجية محكمة ، ترتكز على نشر المذهب الشيعي في دول الجوار و خلق وكلاء لها ومناصرين في الدول العربية. هذه السياسة التوسعية أثبتت نجاعة واضحة في زعزعة الاستقرار الإقليمي وإبقاء المنطقة في حالة توتر وصراع .

و من أجل تعزيز دورها على الساحتين الإقليمية والدولية، استطاعت إيران توظيف علاقاتها مع الغرب . فقد سعت إلى فك العزلة الدولية المفروضة عليها منذ عقود عبر التركيز على تحسين علاقاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية و إسرائيل على اعتبار أن ذلك سيوفر لها غطاء أمريكيا وأوربيا.

و جدير بالإشارة إلى أن الأزمة بيــن إيران والسعودية ليست وليــدة اليوم، بل هي نتاج أكثر من ثلاثة عقود ، بسبب التدخل الصارخ في الشؤون الداخلية للمملكة. كما أنها ليســت بين طهران والرياض فحسب، إذ أن عدداً كبيراً من الدول العربية يعاني من السياسة الإيرانية التي تحاول فرض هيمنتها على المنطقة، وزرع وكلائها في مواضع مختلفة من الدول العربية العرب، كالعراق و سوريا ولبنان و البحرين و اليمن و الكويت و المنطقة الشرقية للسعودية.

وعلى هذا الأساس ، فإن دول الخليج العربي مطالبة -أكثر من أي وقت مضى- بأن يكون لها خطة عمل استراتيجية واضحة للتعاطي مع التوسع الإيراني على أسس وطنية وقومية وإعلامية واثقة ومحددة، تواجه من خلالها المشروع الإيراني التوسعي الذي يشكل تهديدا للأمن و الاستقرار بمنطقة الشرق الأوسط، و الخليج العربي على الخصوص.

و نعتقد أن المملكة العربية السعودية ، في ظل الإدارة الحالية ، ستكون لديها رؤية استراتيجية لمواجهة التوسع الإيراني بالمنطقة ، و أيضا تتوفر على الإمكانات الجيو – استراتيجية و العسكرية لمواجهة هذا الخطر القادم بكل حزم .

بقلم الدكتور خالد الشرقاوي السموني

مدير مركز الرباط للدراسات السياسية و الاستراتيجية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى