قهوة محمد صلاح
يتبادر إلى ذهني قصة الجزرة والبيضة والقهوة التي كثيراً ما يتم تداولها في عالم تطوير الذات, والتي مفادها أن الجزرة حين يتم طبخها تتغير خواصها الصلبة وتصبح ضعيفة ورخوة, أما البيضة فقشرتها الخارجية كانت تحمي داخلها سائلها الداخلي وما أن تعرضت للحرارة أصبح داخلها قاسياً, وأما القهوة بعد طبخها فلم يتغير قوامها ولا خصائصها بل هي من غيرت لون الماء ورائحته ونكهته, مع أن الثلاثة أي الجزرة والبيضة والقهوة كلها تعرضت لنفس الظروف. وذلك إشارة إلى تباين ما تحدثه الظروف التي يمر عليها الناس فمنهم من يكون كالجزرة ومنهم من يكون كالبيضة ومنهم من يكون كالقهوة يظل قوياً ويؤثر بمن حوله بدلاً من أن يتأثر.
ذاع صيت لاعب المنتخب المصري ونادي ليفربول الانجليزي محمد صلاح بين الناس حتى أمثالي ممن لا يهتمون بالرياضة ولا يعرفون الكثير عنها. فقد تألق النجم محمد صلاح وأصبح ينافس كبار محترفي الدوري الانجليزي والأوروبي وذلك من خلال الانجازات المتلاحقة التي تزيد يوماً بعد يوم, فهو اليوم متصدر قائمة هدافي الدوري الانجليزي, وحسب الإحصائيات فقد قام عادل بالأهداف ما قام بتحقيقه كل من كريستيانو رونالدو و فان بيرسي في الدوري الانجليزي, وحسب صحيفة ماركا الإسبانية فهو يتصدر سباق الحذاء الذهبي منافساً ليونيل ميسي و وإدينسون كافاني. والكثير من الإنجازات والأرقام في مجال كرة القدم ناهيك عن شعبيته التي تزيد يوماً بعد يوم لدى محبي الدوري الانجليزي عامة وجمهور نادي ليفربول خاصة.
الجميل في محمد صلاح أن كل تلك الانجازات والنجاح الذي حصل عليه لم تغير فيه شيء من قيمه ومبادئه, فهو لا يزال شاب يبلغ من العمر 25 عاماً ومع أنه سبق ان احترف في سويسرا وايطاليا والآن في انجلترا فإن معدنه الأصيل لم يتبدل, ولم نسمع منه تصريح يهزأ من خلاله ببلده أو يتهكم على أهله أو حتى الرياضة في بلده. كما أن احترافه وصيته الكبير لم يؤثران على التزامه فهو رجل معتدل وعاقل. لم يتأثر بالمجتمعات التي احتك وعاش بها. لم نر منه مظهر غريب أو قصة شعر أو لباس مبتذل, ولم تجعل منه الشهرة شخص مغرور ولم نر له مقاطع مخلة بالآداب والقيم.
رغم الإغراءات المتاحة له وسهولة حصوله على ما يريد كونه شخص مشهور ويعيش في بلد منفتح إلا أنه شخص مستقيم ومتزوج وقد سمى ابنته مكة, وتظهر له صور عديدة في تنقلاته مع فريقه حاملاً بيده المصحف. وبدلاً من أن يتأثر بالعالم الغربي الذي عاش به أصبح هو من يؤثر وهذا يتضح من خلال ذلك الطفل الانجليزي الذي قام بسجود الشكر حينما أحرز هدفاً مقلداً النجم محمد صلاح, ناهيك عن الأهازيج التي قام بتأليفها جمهور نادي ليفربول ويرددونها في كل مناسبة.
محمد صلاح الذي انتقل في عام 2017 الى نادي ليفربول الانجليزي بمبلغ 42 مليون يورو, وهو بالتأكيد يتقاضى مبلغاً جيداً من ناديه لم نرى له مقاطع أو صور يتباهى بما يحصل عليه من أموال من خلال شراء سيارات فارهة واستعراضها في شوارع ليفربول أو لندن أو أي مدينة بريطانية, ولم تظهر منه أي من مظاهر البطر والخيلاء مع ما يتقاضاه من أموال.
بل عرف عنه الأعمال الخيرية التي قدمها لبلده مصر والتي خص بها مسقط رأسه قرية نجريج بمحافظة الغربية حين تبرع لإنشاء معهد ديني, ووحدة حضانات وتنفس صناعي. بالإضافة إلى تكفله بتخصيص مرتبات شهرية لفقراء قريته, كما تبرع بتطوير مدرسته الابتدائية التي درس بها وقام بإنشاء مسجد فيها, وقام بالتبرع بوحدة غسيل كلى وخصص مبالغاً للمستشفيات والملاجئ.
بعض الشباب حين يحصل على مال أو شهرة أو حين يعيش في بلد غربي فإنه ينسى كل مبادئه ويسخر من بلده وقيمه التي تربى عليها, لكن محمد صلاح لم يكن كذلك أتمنى أن يقتدي به الشباب العربي المسلم وأن يحذوا حذوه.
_______
*القصيم – بريدة