منوعات

كيف يعرف المختصون بالطب الشرعي موعد الوفاة أو الاعتداء

يعتقد العديد من المجرمين أنهم قادرون على إخفاء جرائمهم، ولكن حتى لو كانوا بارعين في ذلك فإن الطب الشرعي قادر على فك لغز العديد من الجرائم التي حاول المعتدون إخفائها بل وبالإمكان أيضا معرفة ما قد تعرض له الشخص من اعتداء وتقدير فترة حدوث الأذية وحادثة الوفاة.

ويعد تقدير فترة ما بعد الوفاة في سياق تحقيق الوفاة الطبية القانونية من أكثر الأسئلة شيوعًا والأكثر صعوبة في الإجابة عنها في الطب الشرعي.

ونشرت مجلة WIREs The Wiley Interdisciplinary Reviews  مقالًا تم إعداده من قبل باحثين من كلية الطب بجامعة فلوريدا Dr.Jason Byrd و Dr.Lerah Sutton ستجيب على العديد من الأسئلة حول تقدير فترة ما بعد الوفاة في الطب الشرعي.

يلعب تقدير وقت الوفاة دورًا في كل جانب تقريبًا من جوانب التحقيق في الوفاة بما في ذلك توريط أو استبعاد المشتبه بهم، وكذلك تحديد وقت حدوث الاعتداء قبل حدوث وقت الوفاة، أيضا يهتم بإظهار سواء كانت هناك فترة عاشها الفرد وهو يتعرض للإيذاء أو الإهمال إضافة لتقصي سلسلة الأحداث التي أدت إلى الوفاة، بل وأيضا تكون مفيدة في تحديد هوية المتوفى.

وتم إنشاء وتنفيذ العديد من الطرق في محاولة لتحديد الفاصل الزمني بعد الوفاة بشكل أفضل وكيف يمكن استخدام الأدلة المرتبطة بحدث الوفاة لتكملة تقدير وقت الوفاة. كما إن هنالك العديد من الأمور التي تؤثر بذلك مثل درجة الحرارة، وصحة الشخص قبل الوفاة، وحجم الجسم، والملابس، أو محاولات المعتدين إخفاء الجثة، وأيضا نشاط الحشرات وغيرها العديد من العوامل الأخرى.

وتعقب الدكتورة لينا عباس، أن معظم الناس يعتقدون أن الموت هو عبارة عن غياب النبض وتوقف التنفس لكن  موت الجسم من وجهة نظر الطب الشرعي هي عملية أكثر تعقيدا حيث تمتد إلى ما بعد توقف عمل الدورة الدموية والرئة، حيث أنه من واجب الطبيب ألا يتوقف عن القيام بعملية الإنعاش، فإن الموت لا يمكن إثباته ما لم تظهر إحدى العلامات الرمية كإزرقاق لون الجسم وتصلبه.

من المهم معرفة أنه كلما طالت الفترة الزمنية بين الوفاة وفحص الجسم، أصبح تقدير زمن الوفاة أكثر صعوبة. حيث أنه قد تكون هناك فترة بقاء بين الإصابة الأولية والوفاة الفعلية نفسها، وإن فهم العلاقة بين مثل هذه الأحداث والقدرة على التمييز الواضح للوقت منذ الوفاة أمر بالغ الأهمية لإجراء تحقيق طبي قانوني في الوفاة.

عند تقييم جثة شخص متوفى لتحليل فترة ما بعد الوفاة ، فإن الجسم نفسه هو الدليل، حيث يلعب كل شيء تقريبًا مرتبط بجسم الفرد المتوفى دورًا في عملية التحلل، وبالتالي تؤثر هذه العناصر نفسها على تقدير فترة ما بعد الوفاة. وتختلف حسب  خصائص جسم الفرد نفسه بما في ذلك العمر والجنس ووزن الجسم أو الظروف الصحية قبل الوفاة، إذ إن ذلك قد يؤثر على معدل تحلل أجسامهم، وبالمثل، فإن العوامل البيئية  بما في ذلك درجة الحرارة المحيطة، والملابس، واللف، والإخفاء، والدفن، وتكوين التربة، ونشاط الحشرات.

وتلعب العوامل الأخرى التي يحتمل أن تكون مرتبطة بسبب الوفاة مثل العدوى أو المرض أو تعاطي المخدرات أو الصدمة دورًا كبيرا مما يؤثر أيضًا على القدرة على تقدير فترة ما بعد الوفاة بدقة.

زنظرًا لأن الفاصل الزمني الأطول بين وقت الوفاة ووقت الاكتشاف يجعل عملية تقدير الفاصل الزمني بعد الوفاة أكثر صعوبة، فمن المهم فهم كل من الخيارات والقيود المتاحة لتقييم فترة ما بعد الوفاة عندما تكون هناك تغييرات مرئية على الجسم. حيث يحدث ما يعرف بالتحلل الذاتي وهو حدوث تآكل للجسم عن طريق الإنزيمات الهضمية الذاتية التي تكسر الكربوهيدرات والبروتينات التي يتم إطلاقها من الخلايا المتفتتة.

بعبارة أكثر بساطة، إنها عملية تدمير الخلايا أو الأنسجة بواسطة إنزيماتها. كما يكون سبب حدوث الرائحة الكريهة عند حدوث تحلل الأنسجة إلى غازات وسوائل وأملاح بسبب، على الرغم من حدوث كل من التحلل الذاتي والتعفن في وقت واحد، إلا أن التغييرات التعفنية هي التي يتم التعرف عليها وتقييمها بشكل عام في مراحل منفصلة عند تقدير فترة ما بعد الوفاة وهناك عدة مراحل مرتبطة بشكل شائع بعملية التحلل كحدوث انتفاخ في الجسم والتحلل حتى تصل الجثة لهيئة الهيكل العظمي.

وهناك اعتبارات عامة تتعلق بتطبيق طرق لتقدير فترة ما بعد الوفاة بشكل واقعي على تحقيقات الوفاة الطبية. حتى مع التقدم في الأساليب والتقنيات العلمية التي تهدف إلى التحكم وقياس المتغيرات التي تؤثر على تقدير الفاصل الزمني بعد الوفاة ، سيكون هناك دائمًا معدل خطأ مرتبط بعدم قدرتنا على الفهم الكامل لملابسات القضية والتحكم في كل متغير عند القيام بالتحقيقات في حادثة الوفاة.

من إحدى الدراسات القليلة المنشورة أظهرت أنه من بين 110 حالة لها وقت معروف للوفاة ، كان علماء الأمراض الشرعيون المتمرسون قادرين فقط على التقدير بشكل صحيح الوقت المنقضي منذ الوفاة في 11 حالة أي نسبة نجاح تقارب 10٪ فقط.  ففي 57 حالة من الحالات تم التقليل من الوقت منذ الموت وفي 32 حالة تم المبالغة في تقدير الوقت منذ الوفاة، وقد يعزى سبب ذلك أنه من الأكثر أمانًا التقليل من الفاصل الزمني بعد الوفاة. ويظهر أنه حتى في ظروف المختبر الأكثر تحكمًا ، يصعب للغاية التنبؤ بالفاصل الزمني بعد الوفاة بدقة متناهية، نظرًا لمحدودية الوقت الدقيق منذ تحديد الوفاة الموجود في البيئة الخاضعة للرقابة في بيئة المختبر وبسبب وجود متغيرات أخرى والتي يصعب باستمرار تحديدها ، مما يجعل مهمة تحديد فترة زمنية دقيقة بعد الوفاة في الطب الشرعي  القضية الأكثر صعوبة.

ويتمثل الهدف في تقليل آثار أخطاء التقدير  من خلال مراعاة أكبر عدد ممكن من المتغيرات باستخدام مجموعة من الطرق المتعددة في عملية التقدير من خلال الأخذ بعين الاعتبار كل هذه العوامل.

ويعد استخدام علم الحشرات الشرعي من أكثر الطرق دقة إحصائيًا لتقدير فترة ما بعد الوفاة في حالات التحلل (أي الحالات التي يكون لها وقت تقريبي منذ وفاة 3 أيام أو أكثر)، من خلال تطبيق المعرفة بالحشرات في القضايا القانونية ، يمكن لعلماء الحشرات مساعدة المحققين في تحديد الوقت منذ الوفاة.

ويتم ذلك عمومًا بإحدى طريقتين، الأولى هي من خلال استخدام تعاقب الحشرات حيث يتم تقييم فترة ما بعد الوفاة من خلال تقييم وجود أو عدم وجود أنواع معينة من الحشرات معروفة بأنها مرتبطة بمراحل تحلل معينة، ولكن هذه الطريقة تنطوي على قيود من حيث أن هناك تباينًا يعتمد على المنطقة الجغرافية  حيث أن بعض الحشرات قد تعيش في مناطق معينة دون غيرها الطريقة الثانية تعتمد على درجة الحرارة فعندما يكون الجو أكثر دفئًا، تتطور الحشرات بشكل أسرع؛ وبالمثل عندما يكون الجو أكثر برودة، فإن الحشرات تتطور بشكل أبطأ.

و تؤكد الدكتورة لينا عباس، على أهمية سرعة التبليغ للحصول على أفضل النتائج وأدقها، والتي ستمكن من معرفة سبب الوفاة وماهية ما حصل للشخص، وتشدد على ضرورة احتفاظ الضحية بالملابس الملبوسة، وعدم  تغسيل جسم الضحية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى