المحلية

خطبتا الجمعة من المسجد الحرام والمسجد النبوي

 

أوصى فضيلة إمام وخطيب الحرم المكي الشريف الشيخ الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد المسلمين بتقوى الله مبينا أن السعادة تحصل لمن كان مطيعاً لربه ، وبلغ السيادة من كان آمنا في سربه ، ونال الزيادة من كان غناه في قلبه ، وحقق الريادة من كان راضياً بكسبه . والعاقل من علم أن الدنيا غرارة خداعة ، لا تساوي هم ساعة ، واللبيب من صرفها لربه في العبادة والطاعة .

وتحدث فضيلته في خطبة الجمعة اليوم عن العلاقة بين الإخوة فقال :” من صلب الأب خرجوا ، أو في رحم الأم اجتمعوا ، أو فيهما جميعا نشؤا ، إنهم الإخوة الأشقاء ، والإخوة لأب ، والإخوة لأم ، إنهم جميعاً اخوان النسب ، بطن الأم حملهم ، وحضنها ضمهم ، ومن لبنها أرضعتهم ، الأخُوَّة : رابطة نسبية ، ومحبة فطرية ، وقربة شرعية . الإخوة والأخوات هم جمال الدنيا ، وإنسان العين ، بوصلهم تتوثق الحياة ، وبحبهم تحل السعادة ، وبصلتهم تكون طاعة الله وابتغاء مرضاته ، العلاقة بين الإخوة من أرق العلاقات وأرقاها ، وأَشدِّها وأقواها ، وأقدِرها على البقاء ، ومن أصلبها في الملمات ، من أوثقها في مواجهة الصعاب والأزمات ” .

وأضاف : ” وتبدأ هذه العلاقة الكريمة في التوثق والتمتن من الوالدين ، فالوالدان هما اللذان يربيان أبناءهما تربية تزرع فيهم حقوق الُأخوَّة ، إن تعاملهما مع أبنائهما هو سر العلاقة التي تنشأ بين الإخوة ، وأعظم ذلك وأكبره تحقيق العدل في كل أنواع التعامل معهم من النظرات ، والقُبْلات ، والهدايا ، والأعطيات ، وتجنب المقارنات الخاطئة ، والبعد عن الغلظةِ في المعاملة لبعضهم دون بعض ، والحذر من تشجيعِ من يستحق التشجيع بتحقير الآخرين ، أو الحطِّ من

وبين فضيلته أن الحياة مع الإخوة في بيت الوالدين نعمة عظيمة ، وصلة حميمة ، يتبين جمالها ، ويظهر الحنين إليها حينما ينتقل الأخ إلى بيت الزوجية فتنبعث الأشواق إلى إخوانه وإلى منزل والديه ، مأدبةِ الطعام المشترك ، ومشاركة الحياة في العواطف ، وأحاديثِ المودة ، وارتفاع الأصوات وانخفاضها في انسجام ، وأخذ ورد ، وعفو ، وتسامح ، وعطاء وتغافل ، والتماس للأعذار ، بيئة كريمة تصان فيها الحقوق ، وتغرس الفضائل ، توقير للكبير ، ورحمة بالصغير ، واحترام للند والمماثل .

وبين الدكتور صالح بن حميد أن من أعظم الآيات تعامل يوسف مع إخوته في جميع مراحل حياته وابتلاءاتها ، في بأسائها ونعمائها ، فاصبروا – رحمكم الله – كما صبر ، واعفوا كما عفا ، وأحسنوا كما أحسن مؤكدا أن المرء مهما بلغ من المنزلة ولو كانت النبوة لا غنى له عن دفء الأخوة ، ولهذا حينما عظمت المهمة لدى موسى عليه السلام ، وقد مرت به من الشدائد والكروب ، وقد فر من قومه للذنب الذي اقترفه ، وغاب في فراره سنين عددا ، فلما جاءته هذه المهمة العظيمة ، بل هي أعظم مهمة على الاطلاق الا وهي النبوة ، حينئذ سأل موسى ربه العون ، بل علم أنه ليس له بعد الله إلا أخوه .

وأوضح أن من الخسارة والغبن أن لا تعرف مكانة أخيك إلا بعد أن تفقده ، نعم تفقده إما بموت ، أو بسبب مطامع الدنيا ، فتبقى وحيدا لا تقدر على شيء ، كم من أخ بكى على قبر أخيه متمنياً لو اصطلحا قبل لحظة الفراق مبينا أن الحفاظ على الأخوة في قوتها ومتانتها تحتاج إلى عقل ، وحكمة ، وصبر ، وتحمل ، وتضحية ، لا تقابل تصرفات إخوانك بالتحليل والتدقيق ، فأغلبها أو جُلُّها عفويةٌ تلقائية لا تقبل التحليل ولا التعمق ، ولا تستحق الوقوف عندها ، وأعلم أنه مهما طالت علاقتك بإخوانك فهي لن تدوم ، فلسوف يقطعها أقربكم أجلاً ، وأعجلكم موتا ، فبادر – حفظك الله – بكل خير ومكرمة ، قولاً وفعلاً ، ولا تمنن تستكثر ، إذا كنت ذا علم ، أو منصب ، أو جاه ، أو ثراء ، أو شهرة ، فانزع عنك هذه العباءات كلَّها حينما تكون مع أهلك وإخوانك ، فبادر بالتواصل مع إخوانك حتى ولو كنت ترى أن الحق لك ، احرص على ضبط التعاملات المالية بالدقة ، وكتابتها ، والإشهاد عليها ، وتوثيقها .

وأفاد فضيلته أن من الكمال والجمال والمروءة أن تُظْهِر افتخارَك بإخوانك ، وبما يمتازون به من فضل ومكانة ، أخبارك وأحوالك ينبغي أن تصل إلى إخوانك عن طريقك لا عن طريق غيرك بعد تقدير المصلحة في ذلك ، فلا تكن كثير اللوم ، والنقد ، والعتاب ، والاستقصاء ، والتشكي ، واعلم أن كثرة العتاب طريقُ النفرة والاجتناب .

وأكد الدكتور بن حميد أن حقيقة الأُخوَّة : مودة في القلب ، ولطف باللسان ، ورفد بالمال ، وتقوية بالأدب ، وحسن الذب عن العيب ، وتناصر ، وتعليم ، ونقل خبرات ، الأخوة الصالحة : تورث المجد ، والإيثار ، وتبعد الحسد ، والشحناء ، والغل والقطيعة ، ومن المقطوع به في تجارب الناس أن اجتماع الإخوة يزيدهم قوة ، وتفرقهم يوقعهم في الضعف والهلكة ، الإخوان والاخوات نعمة عظيمة ، ومنحة جليلة تحتاج من يقدرها ويحوطها ويحافظ عليها . حسن العلاقة ، وجمالها سبب متين لسعادة الدنيا وفلاح الآخرة .

وقال إمام وخطيب المسجد الحرام : ” الأخوَّة نعمة تصان بالرعاية ، وتحاط بالعناية ، وتحفظ عن المكدرات ، وتحرس عن المنغصات ، الأخوة : أنس في الوحشة ، ونور في الظلمة ، وفرح في الحزن ، واستعيذوا بالله من إخوة بينهم شحناء ، وعداوةٌ وبغضاء ، وغلظة وجفاء ، قطيعة شنيعة ، وفرقة فظيعة ، خيرهم مصروف للناس ، وشرهم مجموع للإخوان ، البعيد أنيسهم ، والقريب موحشهم ، الوجوه بينهم عابسة ، وقلوبهم فيما بينهم قاسية ، صدورهم ضيقة ، لعبت بهم الاهواء ، وفرقهم وسخ الدنيا ، وعبث فيهم الطمع ، فقطعوا أرحامهم ، يكدر صفو الأُخوَّة ضعفُ الإيمان ، ونسيان الديان ، واستدراج الشيطان . يكدر صفوة الأخوة مطامع الدنيا : مال ، وميراث ، وعقار ، وإيجار .

وفي المدينة المنورة بين إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف فضيلة الشيخ الدكتور عبدالمحسن بن محمد القاسم، أن العلم بالله منزلة عظيمة, واليقين بزيادة العلم وطمأنينة القلب درجة أخصُ من العلم, وشعبة من أعلى درجات الإيمان, وأن الإحسان يكون في عمل الجوارح, فاليقين في عمل القلب, وأهله فيه متفانون.

وأوضح فضيلته أن منزلة اليقين من الإيمان بمنزلة الروح من الجسد, وأن أهل اليقين أرفع الناس منزلة بعد الأنبياء لكمال يقينهم مستشهداً بقول الله تعالى ( وَكَذَٰلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ ) .

وقال إمام وخطيب المسجد النبوي :” إن الله تعالى حث على النظر في الآيات الدالة عليه – جل وعلا- والموقنون هم المنتفعون بالنظر في الآيات والبراهين, ومن باشر اليقين قلبه اكتملت فيه عبادات القلب التي يحبها الله على أكمل وجه من الخوف والرجاء،وأن أعظم الأدلة على وجود الله – سبحانه وتعالى – مخلوقاته, فلا شيء في الكون إلا والله خالقه, إذا استقر في العقول والفِطَر كلها أن المخلوق لا يخلق نفسه, ولا يوجد من غير مُوجد.

وأضاف :” نفس الإنسان هي أعظم دليل على الخالق,فقد خلقه بعد العدم من ماء مهين لا قيمة له, فصيَّره لحماً وعظاماً, وأنشأه خلقاً آخر, يسمع ويبصر, وينطق ويسكت, ويأخذ ويُعطي, ويذهب ويجيء, علَّمه بعد الجهل, وأغناه بعد الفقر, وجمَّله بالعقل” .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى