تخفيضات المملكة فاجأت أسواق النفط.. والمكاسب 680 مليون دولار
أكدت دراسة اقتصادية، أن قرار السعودية خفض الإنتاج لم يكن سياسيا، كما أدعى البعض، وإنما كان على أساس قراءتها لتطورات السوق، مشيرة إلى أن ارتفاع الأسعار سيعوض خسائر المملكة من القرار لينتهي العام بإيرادات أعلى بنحو 680 مليون دولار.
وأشارت الدراسة الصادرة عن معهد أكسفورد لدراسات الطاقة وأجراها بسام فتوح وإندرياس إيكونومو إلى أن الخطوة تعطي المملكة مرونة أكبر فيما يتعلق بخياراتها المستقبلية، ويظهر استعدادها للعمل بشكل مستقل عندما تتطلب ظروف السوق ذلك، مبينة أنه يمكن لهذا الخفض الذي قامت به المملكة أن يعزز تماسك اتفاق “أوبك +” بدلا من أن إضعافه.
وذكرت أن المملكة فاجأت أسواق البترول، حيث إنه في الوقت الذي كانت تشير جميع التوقعات إلى قيام دول اتفاق “أوبك +” بإعادة الـ1.5 مليون برميل يوميا، المتبقية من تخفيضاتها الحادة إلى الأسواق بحلول نيسان (أبريل) 2021، أعلنت المملكة، بدلا من ذلك، خفض إنتاجها بمقدار مليون برميل يوميا لشباط (فبراير) وآذار (مارس).
ومنذ ذلك الإعلان، اتجهت أسعار البترول إلى الارتفاع، على الرغم من عودة إجراءات الإغلاق في أماكن عدة في العالم، مشيرة إلى أن “برنت” يباع بمستويات أكثر من 55 دولارا للبرميل، فيما تميل هيكلة الصفقات أكثر فأكثر نحو توقع ارتفاع الأسعار.
وأشارت إلى أن هبوط مستوى المخزونات الموجودة يمنح المملكة مرونة أكبر في الاستجابة لحال الغموض التي تعتري الطلب، وكذلك يساعد على المحافظة على بقاء هيكلة الصفقات في السوق في حال ميل نحو ارتفاع الأسعار، كما سيثبط محاولات بناء المخزونات وإجراءات التحوط من قبل منتجي البترول الصخري الأمريكي.
و بحسب الدراسة، جاء قرار المملكة خفض الإنتاج ليؤكد دور المملكة القيادي واستعدادها للتصرف باستقلالية إذا تطلبت ظروف السوق ذلك، فقد بات من الواضح أن لدى روسيا والمملكة رؤى مختلفة حول تحركات السوق، فروسيا تفضل العودة إلى مستويات الإنتاج السابقة، وبقاء الأسعار بين 45 و55 دولارا للبرميل، كما أن رأيها حول الإنتاج الأمريكي من البترول الصخري مختلف، بشكل جوهري، عن الرأي السائد في السوق.
وأشارت إلى أن روسيا تتوقع عودة قوية لإنتاج البترول الصخري الأمريكي إذا ما ارتفع سعر البرميل إلى ما فوق 50 دولارا، وهي ترقب، بعدم ارتياح، تزايد حصة الولايات المتحدة من صادرات البترول الخام إلى أوروبا، التي هي الوجهة الأولى للبترول الروسي.
وبحسب الدراسة، فإنه في المقابل، لدى المملكة تصور مختلف تجاه تحركات السوق، فهي تعتقد أن من شأن زيادة الإنتاج في هذه الفترة كما هي رغبة روسيا، أن يقوض بعض أهدافها الرامية إلى التصرف باستباقية، وعدم المخاطرة بما تحقق حيال إعادة التوازن ومحاولة تخفيض مستوى المخزونات.
وبتخفيض المملكة إنتاجها، وإبقاء روسيا وكازاخستان زيادة إنتاجهما عند حد 75 ألف برميل يوميا، وقيام باقي دول اتفاق “أوبك +” بعدم زيادة الإنتاج، وبالتالي حجب مليون برميل يوميا، مع الاستمرار في استهداف التعويض بخفض 1.5 مليون برميل يوميا تقريبا، في شباط (فبراير) وآذار (مارس)، فإنه يمكن النظر إلى القرار الأخير لاتفاق “أوبك +” على أنه “حل وسط” نوعا ما.
والواقع أنه نظرا لطبيعة التنوع بين دول الاتفاق، فإن قرارات “أوبك” خاضعة لـ”التحسين المقيد” حيث يقوم تجانس دول اتفاق “أوبك +” مقام القيد الملزم.
وعن ثالث النقاط المهمة التي لم تذكرها التعليقات، هي أن القرار الأخير يزيد من مرونة المملكة ويوسع خياراتها تجاه السياسات التي يمكن أن تتبناها. فإذا ارتفع الطلب ارتفاعا حادا، في ظل التوسع في توفير اللقاحات، فإن المملكة تستطيع، حينئذ، الاستحواذ على جزء كبير من تلبية الطلب المرتفع هذا، عن طريق زيادة إنتاجها انطلاقا من المستوى المنخفض نسبيا الذي بات عنده.
وإذا تبين، على عكس هذا، أن الطلب كان أضعف “سيناريو التعافي المتأخر”، فإن المملكة تستطيع، تدريجيا، إعادة تلك الكمية المخفضة إلى السوق، مشترطة، على سبيل المثال، أن يبقي أعضاء اتفاق “أوبك +” الآخرون على مستويات إنتاجهم كما هي.
وبينت الدراسة أنه في سيناريو تمديد اتفاق “أوبك +” ستكون السعودية قادرة على المحافظة على التقدم في إعادة التوازن للأسواق وإنعاش الأسعار، حيث تستطيع الإبقاء على المعدل السنوي لسعر خام برنت فوق 50 دولارا للبرميل، وتقليص الأثر السلبي البالغ 3.1 دولار في سعر البرميل، الناجم عن ضعف الطلب إلى حدود 0.1 دولار للبرميل فقط على مستوى العقود السنوية.
لذلك، اتسعت مجموعة الخيارات المتاحة أمام “أوبك +” نتيجة للقرار الأخير، وهذا سيجعل توقع التحرك القادم لدول الاتفاق أمرا صعبا، وربما يثني بعض المتاجرين بالعقود قصيرة الأجل عن دخول السوق.
والخلاصة أن المملكة نجحت، في الأشهر القليلة الماضية، في مفاجأة الأسواق، وأبدت ميلا لاتخاذ قرارات كبيرة “مثل خفض الإنتاج بمقدار مليون برميل يوميا” لإحداث أقصى أثر ممكن في السوق وفي التوقعات.
وأوضحت الدراسة أنه كان هناك جدل حول الخسائر المحتملة في الإيرادات التي قد تتحملها المملكة نتيجة لخفض الإنتاج، لكن الخسائر ليست هي الحصيلة الوحيدة المحتملة.
وبينت أنه لحساب المكاسب أو الخسائر في الإيرادات، يجب مقارنة الأسعار التي كان من الممكن أن يباع بها البترول دون الخفض السعودي، مقابل إضافة دول اتفاق “أوبك +” 500 ألف برميل يوميا إلى إمدادات شباط (فبراير) وآذار (مارس).
وأوضحت أنه لو اختارت دول اتفاق “أوبك +” الاختيار الثاني لتعرضت الأسعار إلى هزة وهبطت إلى ما دون 50 دولارا للبرميل، نظرا إلى مستوى الغموض العالي المتعلق بالطلب.
وتابعت أنه في نفس الوقت، فإن المملكة، بإعلانها الخفض في كانون الثاني (يناير)، على أن يدخل حيز النفاذ فعليا في شباط (فبراير) وآذار (مارس)، قد حققت سعرا أعلى لمبيعاتها في كانون الثاني (يناير)، بل إن نموذج الأسعار اليومية المبني على مؤشر تحليل آراء السوق يشير إلى إن كان للإعلان السعودي، في 5 كانون الثاني (يناير) 2021، الفضل الكامل، تقريبا، في ارتفاع الأسعار بمقدار 4.9 دولار للبرميل في الأسبوع المنتهي في 8 كانون الثاني (يناير) “بمقدار 4.73 دولار للبرميل”، مما دفع الأسعار إلى ما معدله تقريبا 55 دولارا للبرميل، لبقية الشهر، وحافظ عليها عند هذا المستوى.
لذلك فإن فترة حساب التغير في الإيرادات ينبغي ألا تكون لشباط (فبراير) وآذار (مارس) فقط، بل يجب أن تشمل كانون الثاني (يناير) أيضا.
وإضافة إلى هذا، فإن نتائج الخفض قد لا تقتصر على آذار (مارس) فقط، فبناء على مقدار هبوط المخزونات، وعلى الخطوة المقبلة لدول اتفاق “أوبك +”، ربما تتعدى تلك النتائج آذار (مارس) لتستمر إلى نهاية العام.
وأوضحت الدراسة أنه لتقييم نتائج الخفض عمليا، يتم تقدير الإيرادات البترولية الإجمالية للمملكة بناء على سيناريوهين اثنين.
وأولى هذه السيناريوهات قائم على السياسة الحالية للمملكة واتفاق “أوبك +”، على افتراض أن المملكة ستعيد، في نيسان (أبريل)، إنتاج المليون برميل يوميا التي خفضتها، وأن دول اتفاق “أوبك +” ستعيد الـ1.5 مليون برميل يوميا المتبقية، بحلول حزيران (يونيو) 2021، “سيناريو الخفض السعودي”.
أما السيناريو الثاني فقائم على أن تعيد المملكة و”أوبك +” الـ1.5 مليون برميل يوميا المتبقية إلى السوق خلال الفترة من شباط (فبراير) إلى نيسان (أبريل) 2021، مشيرين إلى نيتهم فعل ذلك في كانون الثاني (يناير) 2021 “سيناريو التناقص”.
وتظهر النتائج أنه في حين أن الوضع الحالي قد يتسبب في خسائر للمملكة بقيمة 0.7 مليار دولار في الربع الأول من عام 2021، مقارنة بسيناريو التناقص مع خسائر الإيرادات المحصورة في شباط (فبراير) وآذار (مارس)، إلا أن ارتفاع الأسعار سيعوض هذه الخسائر وأكثر في الربع الثاني “أكثر من 1.48 مليار دولار”، والربع الثالث “أكثر من 0.54 مليار دولار”، لينتهي العام بمقدار أعلى من سيناريو التناقص بـ0.68 مليار دولار.
وباختصار، فإن الخسارة في الإيرادات ليس أمرا مفروغا منه، بل يمكن أن يتبين، بسهولة، أنه، في إطار افتراضات معينة، قد تكون الإيرادات بالفعل أعلى من السيناريو البديل، الذي تزيد فيه “أوبك +” الإنتاج بمقدار 500 ألف برميل يوميا.