خطبة الجمعة بالمسجد الحرام.. “بن حميد” يحذر من التلوث البيئي والأماكن غير الآمنة
حذر فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام، معالي الشيخ الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد، في خطبة الجمعة اليوم في المسجد الحرام، من التلوث البيئي، والأماكن الغير آمنه، واقتحام الأودية ومجاري السيول موسم الأمطار.
حيث أوصى فضيلة الشيخ بن حميد في خطبته التي كانت بعنوان (إمتاع النظر في المتنزهات والمطر آداب وأحكام) باختيار المكان الآمن من الأخطار والأضرار، من الحيات، والحشرات المؤذية، ومجاري السيول، المحافظة على البيئة، بأشجارها، وأعشابها، وأزهارها، ومرافقها، ومراعاة الأنظمة المقررة، وتجنب تلويث المنتزهات، ببقايا الأطعمة والنفايات، والعبث بالمرافق، والاحتطاب الجائر، والرعي الجائر، كما ينبغي ملاحظة إطفاء النار ليلاً عند النوم.
وقال بن حميد في الخطبة الأولى من الآداب: إرشاد المسترشد، ومساعدة من يحتاج إلى مساعدة، في نفسه، أو مركبته، أو متاعه، وتجنب أذى المجاورين من المتنزهين، برفع الأصوات، وتقدير المكان، وليحذر المتنزهون من ارتكاب المخالفات الشرعية، أو المجاهرة بالمعاصي، واللهو المحرم، والتبرج، والتهاون في أوقات الصلوات.
وتحدث بن حميد عن الماء قائلا: (الماء عجيب خلقه، غريب نبؤه، أرخص موجود، وأغلى مفقود، أنزله ربنا بلا لون، وأوجده بلا طعم، وخلقه من غير رائحة، عذب خفيف، ورقراق لطيف، يُهلك إذا طغى، ويهدم إذا جرى، إذا زاد أَغَرقَ وأَهلَكَ، وإن نقص ضاقت الحياة، وضعف الأحياء، وإذا غار، عجز الخلق عن طلبه وتحصيله، إذا نزل الغيث أخذت الأرض زينتها، وأنبتت الأشجار ثمارها، وأبهجت النباتات بورودها وأزهارها، وإذا جرت الأودية، دخل على الناس السرور والبهجة، ثم خرجوا للتنزهة والاستجمام ، وهذا حق مشروع ، ومطلب مرغوب الناس يتحرون المطر وينتظرونه ، ويتناقلون خبره وينشرونه ، فديننا دين يسر وسهولة ، وفسحة وسماحة : ” إن لنفسك عليك حقاً ، ولأهلك عليك حقاً “، في الأجواء المطيرة ، والسحب الغائمة ، والبروق اللامعة ، والأودية الجارية ، والسدود الممتلئة ، تكون النفوس برحمة الله مستبشرة ، والقلوب بفضله مبتهجة ، التنزه محبب للنفوس ، فيه ترويح ونشاط ، وسرور وانبساط ، في التنزهات والمتنزهات أنس الصديق ، والفرج من الضيق ، وكسب المهارات ، والاستزادة من الخيرات، وفي النزهة والرحلات ، تظهر معاني الأخوة ، والإيثار ، ويبرز الانضباط ، وحسن العشرة ، ويعلو المرح ، وطلاقة الوجه ، ويطيب لين الكلام ، والرفق ، والصبر ، والتواضع ، والمسارعة إلى الخدمة، والتعاون فيما ينفع ويفيد، ويجلب الراحةَ والسرور، والمتعةَ للنفس وللرفقة.
وعن البر قال بن حميد: (في البر الفسيح يتأمل المتأمل كمال قدرة الله ، وعظيمَ إتقانه ، وبديعَ صنعه ، وحُسْنَ خَلْقه ، فيزداد القلب إيماناً ، وتمتلئ النفس بهجة وسرورا، ومن أجل مزيد من الراحة والمتعة ، وحسن الإفادة فهذه آداب وأحكام ، مرتبطة بالغيث ، والخروجِ له ، يحسن معرفتها، والأخذ بها، منها : اختيار المكان الآمن من الأخطار والأضرار ، من الحيات ، والحشرات المؤذية ، ومجاري السيول ، وفي الحديث : “إذا غرستم فاجتنبوا الطريق ، فإنها طرق الدواب ، ومأوى الهوام في الليل “رواه مسلم.
وعليه باختيار الرفقة التي تعين على الخير وتدل عليه ، وتدخل في النفس البهجة والسرور .
فإذا نزل منزله في البرية فليستذكر دعاء المنزل : ” أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ” ، فإنه لا يضره شيء حتى يرحل من مكانه . رواه مسلم.
وينبغي المحافظة على الأذكار والأوراد المأثورة فإنها الحصن الحصين بإذن الله .
ومن الأذكار : الدعاء عند نزول المطر : ” اللهم صيباً ، نافعاً ، مُطرنا برحمة الله ، وبرزق الله ، وبفضل الله ” .
ونزول المطر من مواطن الإجابة كما في الخبر : ” اثنتان ما تردان ، الدعاء عند النداء – أي عند الأذان – وتحت المطر ” ، أخرجه الحاكم وحسنه الألباني .
وإذا كثر المطر وخشي ضرره قال : ” اللهم حوالينا ، ولا علينا ، اللهم على الأكام ، والظراب ، وبطون الأودية ، ومنابت الشجر ” ، متفق عليه .
وهذا الدعاء – كما تعلمون – ليس دعاء بتوقف المطر ، بل هو دعاء لصرفه فيما ينفع ، فحاجة ابن آدم إلى الماء دائمة لا تنقطع.
ويتعرض للمطر حين نزوله ويخسر ثوبه ويكشف شيئا من بدنه حتى يصيبه المطر ، فيفعل كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم ، ويقول كما قال : ” إنه حديث عهد بربه “، رواه مسلم .
ومن عظيم الآداب وجليل الأحكام ، الأذان للصلوات في أوقاتها ، ويرفع صوته به ، فإنه لا يسمع مدى صوته ، جن ولا أنس ، ولا حجر ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة ” ، رواه البخاري .
وإذا نزل المطر ، وبل الثياب ، وتلوثت الأسواق بالدحض والزلق ، فان يسوغ جمع الصلوات ، فيجمع بين الظهر والعصر ، وبين المغرب والعشاء .
وان زاد المطر وخشى الناس على أنفسهم في الذهاب إلى المسجد فلهم أن يصلوا في بيوتهم ، وحينئذ يقول المؤذن في أذانه ” صلوا في بيوتكم ، وصلوا في رحالكم ” .
وناشد بن حميد أصحاب المركبات قائلا:( ومما ينبغي التنبه له في هذه الأحوال أن يكون قائد المركبة على يقظة وحرص فيقود بهدوء وتؤدة ، وليحذر من التعجل والتهور ، وعليه الابتعاد عن أماكن تجمع المياه ، وبطون الأودية ، فإن بعض قائدي المركبات – ولا سيما الشباب – قد يجازف ويتجرأ فيخوض بمركبته الأودية أثناء جريانها ، وامتلائها بالمياه والوحل ، وهذا تعريض بالنفوس والأموال إلى التهلكة والتلف ، فكم فقدت بهذا الصنيع من نفوس ، وفقد من عزيز ، وتلفت من أموال .
فاحذروا – حفظكم الله – مواقع الخطر ، والتزموا بمايصدر من الجهات المختصة من تعليمات) .
وفي الخطبة الثانية قال فضيلة الشيخ صالح بن حميد: ( الغيث ماء طهور مبارك , عذب فرات ، ينزله ربنا من المعصرات ماء ثجاجا ، ليخرج به حبا ونباتا، وجنات ألفافا .
ومن آداب هذا الغيث – حفظكم الله – الاستبشار بنزوله ،وشكر الله عليه ، واعتقاد أنه من عنده سبحانه: لا بسبب النوءولا النجم ولا الموسم.
غير أن التنبؤ بالطقس ، وتوقعِ المطر ، وهبوبِ الرياح ، وسرعتها واتجاهاتها ، وغير ذلك من أحوال الطقس المبني على الأمور العلمية ، والحسابات الفلكية ، فهذا لا حرج في معرفتهوالتحدث به ، لأنه من سنن الله ، ومما أطلع الله عليه عباده ، والأمر كله لله ، وبيده سبحانه ، وقد يحصل ما توقعوه ، وقد لا يحصل .
ألا فاتقوا الله – رحمكم الله – واعلموا أن من أعظم الأسباب الجالبة للغيث ، تقوى الله ، والاستقامةَ على أمره ، والتوبةَ ، والاستغفارَ ، والتضرعَ ، وصدقَ الرجوع إليه ، والطاعةَ ، وعملَ الصالحات).