خطيب المسجد النبوي : العلماء حفظوا الدين قرون متتابعة وينقلونه لمن بعدهم بالصبر على الشدائد
أوضح فضيلة الشيخ الدكتور عبدالمحسن بن محمد القاسم إمام وخطيب المسجد النبوي في خطبة الجمعة اليوم أن الله سبحانه اختار لعباده ديناً يتعبدون ربهم به , وبعث رسلاً لتبليغ العباد هذا الدين , واتفقت كلمةُ العُلماء على أن حفظ الدين رأسُ الضروريات الخمس فحفظه مُقدّم على حفظ النفس والعقل والعرض والمال .
وأضاف فضيلته وقد هيأ الله لحفظ دينه أمراً عجباً فاصطفى جبريل واسطة بينه وبين رسله في تبليغ الدين فحفظ ما أوحى إليه ربه من كلامه , ونزل به على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فأداه على أتم وجه وأكمل صفة , قال تعالى (وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ ) .
وأكد فضيلته على أن الأنبياء حفظوا الدين كما أمرهم الله به واحتملوا في ذلك من المشاق ما لا يطيقه أحد سواهم فمنهم من أوذي ومنهم من أخرج من بلده ومنهم من لم يستجب أحد لدعوته ومنهم من قتل .
وأوضح : وانبرى علماء النقل والنقاد لعلم الرواية والإسناد فطافوا البلدان وصبروا على مرارة الاغتراب ومقاساة الأحوال فحفظوا أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله وتقريراته , وضبطوا ألفاظه ورواياته واختلاف الرواة واتفاقهم وزيادة بعضهم على بعض فلم تفتهم من سنة النبي صلى الله عليه وسلم مقالة ولا حادثة ولا خبر ولا قصة ولا هيئة ولا صفة فلم يفتهم من سنة النبي صلى الله عليه وسلم وهديه شيء , جمعوا الحديث وصنفوه صحاح ومسانيد , سنن ومعاجم ومصنفات انتقوها من آلاف الروايات ومقدمهم في ذلك الإمام البخاري رحمه الله قال : (صنفت كتابي الصحيح وجعلته حجة بين الله وخلقه ) , وبينوا معاني الأحاديث وتكلموا على الرواة وبينوا مراتبهم وأوضحوا المشكلات وبينوا المبهمات وكشفوا التصحيف والتحريف وكانوا حراساً على السنة يذبون عنها الكذب والتبديل , فلا يروج عليهم حرف فما فوقه من الكذب فاختصت هذه الأمة من بين الأمم بالإسناد ومعرفة الصحيح من السقيم ولم يكن قبل هذه الأمة إسناد ولا تمييز بين أقوال أنبيائهم وما زيد فيها , قال سفيان الثوري رحمه الله : ( الملائكة حراس السماء وأصحاب الحديث حراس الأرض ) .
وأضاف فضيلته ولا زال العلماء قرناً بعد قرن يحفظون الدين وينقلونه لمن بعدهم جمعوا بين العلم والعبادة والحفظ والتدوين والتعليم بذلوا الأوقات وصبروا على الشدائد .
وبينّ فضيلته أن الله قد تفضل علينا بحفظ الإسلام قروناً متطاولة فوصلنا غظاً طرياً كأنه نزل هذه الساعة وسيبقى كذلك إلى قيام الساعة , لم تطمس منه شعيرة ولم يسقط من القرآن العظيم حرف ولم يضع من السنة شيء مع مرور الزمان وتقلباته بما فيه من الحوادث والحروب والفقر والجوع والفرقة والنزاع والكيد للدين والتطاول على أحكامه والسخرية بتشريعاته .
وأضاف فضيلته والمؤمن يسعى غاية جهده ليكون ممن أسهم في حفظ الشريعة ونقلها بطلب العلم والحث عليه وتنشئة أبنائه على محبة الدين وحفظه وتعلمه وتعليمه , واقتدائه بمن سلف من علماء الأمة .
واختتم فضيلته الخطبة بالإشارة إلى أن على العباد أن يشكروا الله أن حفظ لهم الإسلام ورزقهم اتباعه ففيه سعادتهم في الدارين , وتوقير العلماء من تعظيم الله وتعظيم الدين فهم الذين حملوا لنا ميراث النبوة وقد أعلى الله شأنهم بقوله تعالى (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ) .