الخدمات العدلية في المملكة والتطور الباهر
بتوجيهات قيادتنا الرشيدة قطعت وزارة العدل خطوات عملاقة في تطوير الخدمات العدلية (القضاء – التنفيذ – التوثيق) وذلك من أجل التيسير على المواطنين وتمكينهم من الانتفاع بالخدمات العدلية من تقاض وتنفيذ وتوثيق بأيسر الطرق وأسرعها، وذلك بسطا للعدل بين الناس، ومن أجل ذلك فقد تسارعت عجلة تطوير الخدمات العدلية بصورة مدهشة وتوالت النقلات النوعية الممتازة التي حولت التقاضي وكافة الخدمات العدلية إلى أمر في غاية السهولة والتيسير حيث أصبحت الخدمات الإلكترونية تتم إلكترونيا بمنتهى اليسر والسلاسة ويستطيع أي مواطن أو مقيم رفع الدعاوى القضائية وإصدار الوكالات وإفراغ العقارات وتقديم طلبات تنفيذ الأحكام من جواله دون أي عناء، والجدير بالذكر أن كل هذه التحولات المدهشة قد تمت دون إخلال بالضمانات والضوابط المتعارف عليها دوليا.
فالتحول الرقمي الذي حصل في الخدمات العدلية وتمكين المواطنين من الانتفاع بتلك الخدمات الكترونيا كان له الأثر الإيجابي الكبير في تغير التعاملات بين الناس والحرص على الوفاء بالالتزامات وسرعة إنجاز المعاملات، ومن أهم النقلات في هذا الخصوص هو الأمر الملكي الصادر من قبل خادم الحرمين الشرفين الملك سلمان حفظه الله برقم (1388) وتاريخ 25/3/1439هـ الذي تم بموجبه اعتبار التبليغ عبر الوسائل الإلكترونية (مثل رسائل الجوال) تبليغا نظاميا للشخص المرسل إليه، وكانت القضايا قبل الأمر الملكي المنوه عنه تتأخر كثيرا وربما لسنوات، بسبب عدم التمكن من تبليغ الأطراف لأي سبب من الأسباب مقصودة كانت أو غير مقصودة، وإذا كان الخصوم من ضعاف النفوس فإنهم يستطيعون المماطلة من خلال التستر والتخفي حتى لا يتم تبليغهم، لذلك كانت الاجراءات النظامية سابقا لمعالجة ذلك عقيمة وغير مجدية مثل: التبليغ عن طريق الإمارة أو النشر بالصحف المحلية، ولكن جاء الأمر الملكي المشار إليه كعلاج ناجع لكيفية تبليغ الأطراف، وإذا لم يحضر الشخص المبلغ يتم الحكم عليه, ويعد هذا الحكم في حقه حضوريا وليس غيابيا، ومن المؤكد أن المختصين من القضاة والمحامين وحتى المتقضاين يعلمون تماما المصلحة العظيمة التي ترتبت على الأمر الملكي المنوه عنه.
ومن النقلات المهمة أيضا في هذا العهد الميمون اكتمال منظومة المحاكم المتخصصة, وكلها باشرت أعمالها بما في ذلك المحاكم التجارية، والمحاكم العمالية كما تم تفعيل المحكمة العليا التي باشرت هي الأخرى أعمالها وأصبحت تتلقى طلبات نقض الأحكام .
وتم في الآونة الأخيرة أيضا إشراك القطاع الخاص لتقديم بعض الخدمات العدلية من خلال الاستعانة بالموثقين ومنحهم بعض سلطات كتابات العدل كإصدار الوكالات وعمل الإقرارات وعقود البيع ونحو ذلك، وفي هذا توفير للخدمة العدلية في جميع الساعات والأوقات حتى بأيام العطل الرسمية.
وكدليل على مرونة الوزارة في وقت جائحة كورونا تم تفعيل التقاضي عن بعد (الإلكتروني) بحيث تُقام الدعوى وتُجرى التبليغات وتُعقد الجلسات وتُقدم المذكرات والردود وتصدر الأحكام ويتم الاعتراض عليها؛ وكل ذلك الكترونيا دون مراجعة المحكمة، وحاليا توجد حوالي (120) خدمة عدلية إلكترونية يستطيع المواطن الدخول إليها جميعا وإنجاز معاملاته من جواله، كما أن الوزراة تقوم بنشر الدليل الإرشادي لكل خدمة من الخدمات لتوجيه طالبي الخدمة بكيفية التقديم لها والتعامل معها، وتقوم وزارة العدل دوريا بتقييم مدى نجاح الخدمة مستعينة في ذلك بملاحظات القضاة، وبالاقتراحات والشكاوى وعلى ضوء ذلك تقوم الوزارة بتحسين الخدمات وتصحيح الأخطاء.
في الواقع إن التطوير والإصلاحات والتحسين الدائم للخدمات العدلية لا يمكن الحديث عنه في مقال واحد وإنما يحتاج الأمر إلى مقالات ومقالات، وهذا يؤكد وفاء ولاة الأمر وعنايتهم الشديدة بهذا المرفق المتعلق بإقامة العدل بين الناس وحرصهم كذلك على التيسير على المواطنين، وإنني كمحامٍ عاصر هذه النجاحات كواقع ملموس أستطيع أن أقول في غير تحفظٍ ولا احتياط أن الخدمات العدلية في المملكة أصبحت تضاهي مثيلاتها في الدول المتقدمة.
ولا يسعني في الختام إلا أن أزجي التحية والتقدير لولاة الأمر حفظهم الله على ما يخصون به المرافق العدلية من تطوير مستمر, وكذلك التحية الطيبة للقضاة وكتاب العدل ومنسوبي وزارة العدل الذي واكبوا التطوير وأسهموا بفاعلية مدهشة في إنجاح التحول الإلكتروني، مما يدل على حسن تأهيلهم وتدريبهم، هذا واللهَ أسأله أن يوفق ولاة الأمر لما فيه ترسيخ العدل ورفع الظلم بكل صوره وأن يحفظ هذه البلاد المباركة وأن يجعل عجلة التنمية والرقي فيها سائرة على الدوام في جميع المجالات على الوجه الصحيح.
محمد بن فهد آل إسماعيل
محام وكاتب عدل سابق