عام

كيف نحمي مجتمعنا من العنف الأسري

تعد الأسرة اللبنة الأولى في بناء الإنسان والمجتمع، ومن خلالها يكتسب الأبناء القيم والعادات المجتمعية المبنية على أساس أن الإنسان مدني بطبعه يألف حياة التعاون والمعيشة المتوازنة ، فالأبناء الذين يعيشون في بيئة أسرية متفاهمة يسودها الحب والسعادة وتخلو من العنف على المرأة والطفل ويكون التعامل فيها بإحسان لا شك أن هذه الأسرة ستكون أسرة متميزة وقدوة لغيرها من الأسر، وسيخرج من أصلابها أبناء صالحون يستفيد منهم الناس والمجتمع، أما إذا كانت الأسرة غير متجانسة ويسودها الخلاف ويكثر فيها الاضطراب والعنف بين أفرادها فإن الأبناء حتما سيكونون محبطين ، وقد يحقدون على أفراد المجتمع، وفي الغالب أن هؤلاء الأبناء قد تعرضوا إلى العنف الأسري منذ الصغر والذي انعكس على سلوكياتهم وتعاملاتهم ، وبالتالي ظهور الانحرافات التي تؤدي إلى جرائم المخدرات والقتل ، والتحرش الجنسي وغيرها.
يشير الباحثون ومنهم الباحث عبد المحسن المطيري، في دراسة له عن (العنف الأسري وعلاقته بانحراف الأحداث لدى نزلاء دار الملاحظة والرعاية الاجتماعية بمدينة الرياض) إلى: ” أن للعنف الأسري سلبيات كثيرة على الطفل فهو من جهة يطبعه بطابع العنف كأسلوب من أساليب الحلول للمشاكل التي قد يواجهها في حياته، وهذا يقوده لمواجهة الكثير من التحديات حين يتجه لعلاج أي موضوع أو قضية يفرض واقعه وحاجته علاجها، وذلك ينعكس سلبا على مختلف حالاته، وربما تكون عاملا من عوامل الفشل في مستقبله، ومن جهة أخرى يبني تكوينه النفسي على الضغينة والحقد الذي يحمله تجاه من يعيش معه من أهله، ولا سيما عندما لا يستوعب دوافع القسوة تجاهه، أو حين يجد أن الآخرين لا يفهمون حالته ولا يستوعبون واقعه، ومن جهة ثالثة يخلق في داخله عامل الخوف والرهبة من الآخرين، فينطلق في اتخاذ قراراته الحياتية بفعل هذا العامل الذي ربما يقوده إلى الانحراف في تبني القرارات في مستقبله، كما أن هذا الأسلوب ربما يقوده لممارسة دور التحدي والتمرد برفض ما يطرحه الآخرون مهما كان موضوعيا وسليما حين يفسح له المجال للاختيار، تنفيسا عن الضغط النفسي الذي خلفه العنف في داخله حين واجهه وعاش حالته، فيتحرك من باب الشعور بضرورة استرداد الكرامة التي امتهنت ولو كانت من خلال علاقته بأبويه، وأقرب الناس إليه”.
ولهذا يجب تنشئة الطفل والمراهق تنشئة سليمة بعيدة عن العنف والشتم والتحقير والضرب والإهمال والعزلة ، فالأسرة هي المكان الطبيعي الذي يجد فيه الطفل أو المراهق الحنان والحب والعاطفة والسلام ، كما أنها مصدر لتأمين حاجته النفسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية ، والأسرة التي لا توفر هذه الاحتياجات التربوية والمعيشية للطفل فإن هذه الأسرة حينئذ تكون أشد خطراً عليه من أي جهة أخرى.
ومما يؤسف له أن البعض يربط هذا العنف وكأنه من الدين أو الرجولة أو مسؤولية الزوج أو من العادات والتقاليد والأعراف الاجتماعية ،ولكن الحقيقة التي يجب أن يعلمها هؤلاء أن ديننا الإسلامي لا يقر الظلم ، ولا يقر العنف في غير موضعه يقول تعالى ( وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) ، سورة البقرة 190، فالعلاقة الإنسانية بين الرجل والمرأة والأطفال هي علاقة الروح الواحدة والوجدان الواحد والجسد الواحد والمصلحة المشتركة لإقامة حياة فاضلة سعيدة كريمة ملؤها المحبة والأمن والسلام .
إن التخلص من العنف ليس أمراً مستحيلاً؛ ويمكن للمرء أن يعيش وعائلته حياة طيبة بعيداً عن العنف ، ولكن الأمر يتطلب منه عزيمة وإرادة قوية ، واقتداء بتعاليم الدين الحنيف وذلك بالالتزام بطريقة النبي محمد صلى الله عليه وسلم في التعامل مع أهله وعائلته ، فقد كانت حياته الأسرية خالية تماماً من العنف والقسوة؛ فها هي أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها تقول:” ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا قط بيده ولا امرأة ولا خادما إلا أن يجاهد في سبيل الله” رواه مسلم ، ويقول أنس رضي الله عنه:”والله لقد خدمته تسع سنين ما علمته قال لشيء صنعته لم فعلت كذا وكذا أو لشيء تركته هلا فعلت كذا وكذا” رواه مسلم وهكذا لم يتخذ صلى الله عليه وسلم الضرب والعنف وسيلة للتربية والتقويم وهذا من كمال خلقه وحسن معاشرته صلى الله عليه وسلم، ولهذا علينا نحن كموجهين ومعلمين ، وإعلاميين أن نثقف أفراد المجتمع بخطورة العنف وأثره الخطير في تدمير الإنسان الذي قد يتحول إلى وحش كاسر ينشر الجريمة والفساد في المجتمع، وإحلال السلم الأسري بدلاً من العنف ، والسعي لترسيخ مفهوم الحوار والنقاش بين أفراد الأسرة بما يعزز الطمانينة فيما بينهم ومن ثم الشعور بحرية التعبير فيظهر كل فرد ما لديه من رؤى وأفكار دون خوف أو تعنيف، وكذلك تأمين البيئة المناسبة للأسرة من حيث المقومات الأساسية من سكن وتعليم ، ونفقة، والاحترام المتبادل بين كل أفراد الأسرة ، وعدم اللجوء إلى العنف في حسم القضايا التي هي محل نقاش بينهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى