منوعات

تأثير فيروس كورونا على حركة النقل و المواصلات

فرضت جائحة كوفيد-19 تحديات غير مسبوقة أمام كافة الشركات على مستوى العالم، وكانت الشركات العاملة في قطاع النقل من أبرز المتضررين بتداعيات هذه الأزمة. وقد أدّت إجراءات حظر السفر المُطبَّقة للحد من تفشي الفيروس إلى عدم قدرة الشركات على نقل المسافرين بحريّة بين المدن والدول والقارات. وبالنتيجة، حدث انخفاض حاد في إيرادات النقل نتجت عنه مجموعة واسعة من التحديات على المديين القصير والطويل، انطلاقاً من تخفيض الرواتب والاستغناء عن الموظفين، وليس انتهاءً باضطرار عدد من الشركات الراسخة إلى الإغلاق نتيجة عدم تمكّنها من المحافظة على السيولة المالية اللازمة خلال فترة انقطاع التشغيل المطوَّلة.
وبهذا الإطار، عملت الشركات الخاصة والحكومات الإقليمية على تنسيق استراتيجياتها بهدف الوصول إلى استجابة غير مسبوقة لمجابهة هذا الوباء العالمي، بما يشمل إجراء أعداد قياسية من الفحوصات وعمليات الكشف، وتوفير العديد من مراكز الحجر الصحي والمرافق الطبية، بالإضافة إلى اعتماد إجراءات تقييد السفر وتوفير الدعم للمسافرين غير القادرين على العودة إلى أوطانهم. ومن الضروري اعتماد سويات التزام مماثلة فيما يتعلق بمنهجيات التفكير وجهود التطوير الاستباقية للمبادرات والحلول التشغيلية التي من شأنها صياغة مشهد النقل البري والبحري والجوي في الفترة التالية لانحسار الوباء.
ويتعيّن على مشغلي وسائل النقل على أقل تقدير دراسة اعتماد التغييرات الأولية التالية ضمن نماذجهم التشغيلية والتجارية، بغية تزويد العملاء بالدعم اللازم لتحقيق التأقلم السريع والفعال مع منهجية النقل الجديدة المُصممة للحد من انتشار الفيروس، والهادفة إلى توفير تجارب تنقّل إيجابية وفعالة.
بدايةً، من الضروري الاستغناء عن نماذج الأسعار القائمة على التكاليف الثابتة واعتماد عقود بتكاليف متغيرة مع الموردين، بهدف دعم جهود العودة التدريجية -وغير القابلة للقياس- إلى مستويات حركة المسافرين “الطبيعية”. ومن ناحية أخرى، تُجسد السيولة واحدة من كبرى المشكلات المالية بالنسبة لشركات النقل، لذا تجب إعادة النظر بشروط الدفع والنواحي التجارية ذات الصلة بالتكاليف الداخلية والموردين ومزودي الخدمات.
وستفرض المرحلة الجديدة بناء وتعزيز الثقة بسلامة المسافرين، وطرح طرائق تنقّل جديدة خلال مراحل إنهاء الإغلاق وبعد زوال الجائحة على حد سواء. لذا، سيتوجب على الشركات الاستثمار في الجهود الرامية إلى فهم مسارات تنقّل المسافرين، بالإضافة إلى تسريع أو إلغاء المشاريع والبرامج المؤجَّلة أو إعادة تقييمها بناءً على المعطيات العالمية الجديدة.
وبهدف اعتماد منهجية استباقية لاستعادة الحالة الطبيعية للسفر المحلّي والدولي، يواجه مزودو الخدمات والمشغلون طيفاً من التحديات الجديدة الواجب تجاوزها. وهنا من الضروري تطوير حزمة من الحلول الهادفة إلى معالجة تلك التحديات، مثل تلبية شروط التباعد الاجتماعي والتعامل مع الزيادة الإجمالية في مدة السفر.
وستقود إجراءات التباعد الاجتماعي إلى تخفيض القدرة الاستيعابية للطائرات والقطارات ومراكز المواصلات البرية والبحرية والجوية، بالإضافة إلى ضرورة إعادة هيكلة صفوف الانتظار لتراعي مسافات التباعد والقيود المفروضة على هياكل البنية التحتية. وبغية تقليل زمن الانتظار عند فرض هذه الإجراءات، سيواجه مزودو الخدمات حاجة إضافية إلى مزيد من القوى العاملة، إلى جانب تعديل الفاصل الزمني بين العمليات والإجراءات الخاصة بالمسافرين لمراعاة مسافات التباعد.
كما سيشهد القطاع زيادة في مدة السفر بنتيجة زيادة عمليات التحقق من المعلومات، فيما ستقود الفحوصات الطبية وإجراءات التباعد الاجتماعي إلى إطالة زمن إنجاز الإجراءات الخاصة بالمسافرين، بالإضافة إلى انخفاض مستويات الإنتاجية الذي سيفرض بدوره وقتاً أطول لإنجاز العمليات. وعلاوة على ذلك، ستؤدي إطالة الزمن اللازم للصعود إلى الطائرة ومغادرتها إلى تقليص الفترة المُتاحة لتجهيز الطائرات للإقلاع مرة أخرى، جنباً إلى جنب مع إطالة مدة مناولة الحقائب. ومن ناحية أخرى، ستقود أعداد المسافرين المحدودة في حافلات وجسور العبور من وإلى الطائرات إلى زيادة مدة السفر الإجمالية، تُضاف إليها الإجراءات الجديدة للصعود إلى الطائرة.
ونظراً لكونه أحد القطاعات الأكثر تضرراً بفعل الجائحة، سيحتاج قطاع النقل إلى وقت أطول وجهود أكبر للتعافي من الآثار السلبية. ومن هنا، تنبغي إعادة تصميم كافة نواحي السفر والتنقل بغية تجديد ثقة المسافرين بسلامة نظام النقل، مع العمل في الوقت ذاته على موازنة تأثيرات زيادة زمن الانتظار وانخفاض القدرة على استيعاب المسافرين.
والأهم من ذلك، تبقى إمكانية العودة إلى مستويات حركة المسافرين الاعتيادية مرهونة باعتماد سويات الالتزام ذاتها المُطبّقة خلال المراحل الأولية الرامية لمجابهة انتشار الفيروس. وتفرض هذه الفترة العصيبة على الشركات ضرورة دعم بعضها البعض، والاستغناء عن سعيها نحو الربح لصالح تقديم حلول ثورية مبتكرة واستباقية من شأنها استعادة ثقة المسافرين وإصلاح الأضرار التي ألقاها فيروس كورونا المستجد على القطاع.

بقلم : بيتر مهرنغ, مدير تنفيذي لقطاع المواصلات سيركو الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى